الأولى، دعوة الشيوعيين إلى التوحّد

عديد نصار

2008 / 2 / 7

تابعت و بكثير من الاهتمام كل ما قيل حتى الآن حول الدعوة التي أطلقت من أجل وحدة أو ائتلاف او تحالف قوى اليسار العراقي بعد الدعوة التي أطلقها السيد رزكار عقراوي من على صفحات الحوار المتمدن و التي ما لبث أن
ردد صداها و بأشكال مختلفة و من مواقع مختلفة أيضا العديد من الشخصيات و الكتاب و ممثلي القوى ..
و لما كنت قد طرحت في مقالات عدة وجهة نظري حول وحدة الحركة الشيوعية و شعاري : وحدة الحركة الشيوعية فوق كل اعتبار ، كشعار المرحلة بالنسبة للقوى الشيوعية التي مازالت مخلصة لصدقية تمثيلها للطبقة العاملة و للشعوب المضطهدة في العالم و التي يزيد اضطهادها لا بل ذبحها بمنهجية متوحشة على أيدي الامبرياليين المتفلتة من كل قيد ، أقول، من هذا الموقع وجدت نفسي معنيا بوضع ملاحظاتي التالية على تلك الدعوة و ما أعقبها من ردود.
الملاحظة الأولى:
عندما طرحت وجهة نظري في أولوية وحدة الحركة الشيوعية، و اقتناعا مني أن وحدة الحركة الشيوعية لا يمكن إلا أن تبدأ بوحدة الفكر قبل السياسة و وحدة التوجه قبل التنظيم، كنت قد ربطت ذلك بتأسيس اتحاد عالمي للحركة الشيوعية يشكل مرجعا فكريا يعيد النظر و يعمل النقد في تجربة الحركة الشيوعية العالمية على مدى القرن الماضي، فينفض الغبار عن المنهج الماركسي، الذي تراكم جراء العمل السياسي و النضالي المتغير على مدى التجارب السياسية و الثورية الماركسية المتنوعة بتنوع المكان و المجتمعات و الظروف الدولية خلال ما يزيد عن قرن من الزمن، وما شاب هذه التجارب و ما نتج عنها من رؤى و مواقف ترتبط بظروف و خصوصيات و معطيات لبلدان و مجتمعات مختلفة عبر العالم و التي سرعان ما تحولت إلى بنى فكرية و نظرية تراكمت كما تتراكم الوحول على محراث الفلاح فتسيء إلى الحرث، ما أثار الكثير من الخلافات و الخصومات و التفسيرات و تعدد التأويلات السياسية التي أخذت طابعا أيديولوجيا و أدت، خصوصا في إثر انهيار الكتلة الشيوعية، إلى انهيار و تصدع الحركة الشيوعية و تراجع حاد في تأثيرها و دورها على الساحة العالمية، ما أتاح للامبريالية الفرصة لتشن هجومها الكاسح على شعوب العالم بما في ذلك شن الحروب و احتلال البلدان و القضاء على الدول و تفتيت المجتمعات .. من أجل فرض تقسيم جديد للعمل الدولي يصب في صالح تأبيد النظام الرأسمالي و تعميق استغلال الشعوب و البشر و نهب مقدراتها المادية و البشرية و تبديد و تدمير تراثها المادي و الحضاري الذي أمضت آلاف السنين في بنيانه. فوحدة الحركة الشيوعية رهن بإعادة نظر نقدية شاملة في التجربة الشيوعية لا يستطيع القيام بها إلا من يمتلكون فعلا المنهج الماركسي و القادرون على أن يحسنوا استخدامه في النقد و التقييم. و هي، بالتالي، ضرورة حتمية لاستئناف النضال الأممي ضد الوحش الرأسمالي، فلا يمكن لأحد غيرها أن يؤدي دورها. لا في توحيد الطبقة العاملة و لا في تحقيق التحالف الطبقي الضروري للنضال و لا في ممارسة ذلك النضال طويل المدى حتى تحقيق الهزيمة النهائية لهذا النظام الرأسمالي بمختلف تجلياته.
إن المسؤوليات التي تقع على عاتق الاتحاد العالمي للحركة الشيوعية لا يمكن لأي مفكر أو جهة حزبية أو سياسية أن تقوم بها منفردة. و هي تبدأ باسترجاع المنهج الماركسي ثم استخدامه في عملية نقد شاملة للمرحلة التاريخية المنصرمة من نضال الحركة الشيوعية و لا تنتهي بتحديد الواقع الراهن بحركيته و تشكله على الصعيد العالمي من حيث البنى الطبقية و تطور البنى الاقتصادية و التحولات السياسية و الاجتماعية و الفكرية المترافقة معها.
إن مهمة الاتحاد العالمي للحركة الشيوعية إذٍ هي نفض الغبار و إزالة الوحول من على المنهج الماركسي كما يزيل الفلاح الوحول عن محراثة لتحسن حراثته و ذلك من خلال إجراء عملية نقد شاملة تتعرض لكل مفاصل المرحلة الماضية و للتجارب الشيوعية الرئيسية و حركة التحرر الوطني في العالم الثالث و التي كان على رأسها في أحيان كثيرة أو شارك فيها أحزاب و قوى شيوعية متعددة حتى ضمن المجتمع الواحد. كما و إجراء عملية تقييم منهجية للواقع المستجد للنظام الرأسمالي بكل ما نشأ عنه و تتطور فيه من ظواهر و بنى و قيم و تراكمات و غير ذلك كي نتمكن من الحصول على الصورة الواضحة الجلية لواقعنا المعاش و بالتالي نتمكن من تحديد طبيعة النظام القائم عالميا و طبيعة البنى الطبقية القائمة و بالتالي تحديد شكل و طبيعة الصراع الطبقي و تجلياته.
إن قيام الاتحاد العالمي للحركة الشيوعية مدخل ضروري و لازم لاستعادة المبادرة على المستوى الفكري ما يؤدي بطبيعة الحال إلى استعادة المبادرة على المستوى النضالي العملي.
الملاحظة الثانية:
إن واقع العراق و ما يتعرض له المجتمع العراقي من إبادة ممنهجة و الوطن العراقي من تفتيت و شرذمة على يد قوى الاحتلال الامبريالي و أدواته و حلفائه و بعض المنتفعين، من قوى سياسية و ظلامية و شوفينية فاشية، يلقي بظلال قاتمة على الواقع العربي و واقع المنطقة ككل، يفرض على القوى الماركسية في العراق مهام عاجلة كان يفترض أن تبدأ بتنكبها منذ زمن، أولاها توحيد الرؤية النظرية و ثم السياسية من الاحتلال، فلا يجوز أن يقال أن الشيوعيين راهنوا هنا و هناك و أخطأوا التقدير هنا و هناك، فالتجربة الشيوعية في العراق ليست بنت اليوم أو بنت المرحلة الحالية و ليس للشيوعي أن يراهن! إن ما يميز الشيوعي عن غيره من الناس قدرته على فهم الواقع لأنه هو الذي عليه أن يعمل على تغييره و ليس عليه أن يرى إلى الآخرين يعبثون و يطالب بتحسين عملية العبث تلك.. ليس من المقبول أبدا أن يضع الشيوعيون أنفسهم في موقع تجريبي بائس .. لا عذر للشيوعي في تهاونه أو محاباته للقوى المعادية لشعبة و فكره و أهدافه .. فكيف إذا كان عدوُ شعبه أشرسَ قوة إمبريالية في التاريخ مترافقة مع قوى فاشية ظلامية قادمة من خارج التاريخ لتستفيد من وجود المحتل و تمهد له الأرض من أجل أن يحقق أهدافه و مراميه؟!
و اليوم، أقول: أن تأتي متأخرا خير من أن لا تأتي أبدا .. على القوى التي تسمي نفسها شيوعية أن تتوحد في بوتقة النضال ضد المحتل الامبريالي و أن تصوغ مشروعا وطنيا متكاملا لتحرير العراق من الاحتلال و من أعوانه و حلفائه و القوى الفاشية الظلامية المستفيدة من وجوده و أن تضع لنفسها برنامج عمل واضحا يمكنها من النهوض بعملها و من حشد طاقات شعب العراق المعذب في مقاومة وطنية متماسكة تعرف أهدافها و تسعى بنضال دؤوب لتحقيق تلك الأهداف. فقبل أي تحالف أو تآلف مع القوى الأخرى، على الشيوعيين أن يستعيدوا وحدتهم على أساس مشروعهم الوطني و برنامج عمل نضالي محدد.
ليس للشيوعيين أن يدخلوا أية عملية سياسية يقررها الاحتلال. و ليس لهم أن يؤدوا أي دور من شأنه تجميل صورة الاحتلال أو صورة حلفائه أو أدواته المحليين. بل إن دورهم يرتكز على فضح و تعرية كل ما من شأنه أن يساعد الاحتلال في تنفيذ مشاريعه و فضح كل الذين يعاونونه أو يستفيدون من وجوده، في سلطة أو نهب أو امتيازات على حساب دم العراقيين المسفوح.
إن الشيوعيين العراقيين يتحملون مسؤولية كل قطرة دم تسفك و كل مال عراقي ينهب و كل خطر يتهدد وحدة الوطن العراقي لأنهم هم النقيض الفعلي للاحتلال الأمبريالي و ملحقاته. فكل تخلف عن تنكب المهام التاريخية يتبعه مسؤولية تاريخية. فالنضال التحرري ليس نزهة كما أن الانتصار التاريخي لن يقدم على طبق من ذهب .. أما الضحايا .. أما الدم المباح .. أما الوطن المستباح .. أما كل هذه المآسي و الكوارث الاجتماعية و الوطنية فلن تتوقف قبل أن يتحمل الشيوعيون الموحدون مسؤولياتهم التاريخية و ينهضوا بمقاومتهم المستقلة عن رغبات أي كان غير رغبات الشعب العراقي و حقه في التحرر و الحياة. أما التحالفات و الائتلافات مع القوى الوطنية الأخرى فيجب أن تتبع و ليس أن تسبق توحيد الحركة الشيوعية بمشروعها و برنامجها.
إن وحدة الحركة الشيوعية في العراق أو في أي مكان آخر رهن بتنكب أحد الفصائل الشيوعية أو بعضها المتآلف مهما كان حجمه و إمكانياته، مهام النضال الطبقي و الوطني حاملا مشروعا واضحا و معتمدا برنامج عمل نضالي محدد، يؤدي نضاله اليومي ضد أعداء الوطن و الشعب من محتلين و أعوانهم، متمتعا برؤية واضحة و دقة في فهم و معرفة الظروف و مثابرة و صبر و دأب و استعداد للتضحية ما يجعل كل الشيوعيين المخلصين لنضالهم و فكرهم و وطنهم و شعبهم يتخلون عن كل من تخلف من الأطر الحزبية و يلتحقون بمن صدق و شق طريق المقاومة / الثورة و يلتفون حول نهجه تاركين تلك الأطر هياكل فارغة ليس لها أية شرعية شعبية أو وطنية.
إنه لمن المستغرب و المستهجن أن يدعو "شيوعيون" إلى وحدة أو تآلف جماعات "اليسار المائع" في حين لا يلتفتون إلى توحيد الحركة الشيوعية و يقفون في موقع النقيض من غالبية أطرافها خاصة إذا ما احتفظ هؤلاء لأنفسهم باسم " الحزب الشيوعي العراقي " هذا الاسم الذي يفترض أن يحمل أصحابه مسؤولية وحدة الحركة الشيوعية و إطلاق مقاومتها الشاملة و لو بأبسط الإمكانات و لنا في إطلاق جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية "جمول" عبرة ثمينة و شاهد يصفع وجوه الذين استنكفوا عن القيام بمثل هذه التجربة الخلاقة التحررية القادرة على توحيد كل الشيوعيين و الوطنيين المخلصين.
الملاحظة الثالثة:
مع التقدير و الاحترام للبادرة التي أطلقها السيد رزكار عقراوي، فإن مجمل ما قرأت من مقالات تدور حول وحدة أو ائتلاف اليسار العراقي تؤكد على الانخراط في العملية السياسية التي يديرها الاحتلال الامبريالي للعراق و تحت سقفها. فكل ما كتب يؤكد أن هذا الذي يدعون إليه ليس إلا مشروعا إنتخابيا يلتمس بضعة مقاعد في برلمان الاحتلال قد لا تشكل أكثر من مصالح شخصية على حساب شعب العراق و اسم " اليسار " في العراق. لقد كتب في ذلك الرفيق حسقيل قوجمان و شيوعيون آخرون من قيادات أحزاب معروفة على الساحة العراقية ما يكفي.. لم يرع الاحتلال عملية سياسية إلا لتصب في مصلحة مشروعه للهيمنة و التخريب .. و لن يسمح لغير القوى التي تعاونه في ذلك أن تشكل قوة فاعلة في عمليته السياسية .. إن استعمال "اليسار المائع" لتحسين صورة الاحتلال و ما يقوم به في العراق يشكل جريمة بحق الوطن و الشعب العراقيين. كل تجمع أو ائتلاف يساهم في تغطية جرائم الاحتلال و المستفيدين منه أو في تشكيل أداة ضغط بيد الاحتلال و زبانيته على أي طرف محلي أو خارجي لتحسين أدائه بالنسبة للمحتل و تلبية مطالبه هو ائتلاف معاد للعراق و شعبه و قواه المناضلة في الحاضر و المستقبل و لن يشفع له في المستقبل اعتراف بخطأ التقدير أو باعتبار المسألة رهان فشل أو خاطئ هنا أو هناك.
فالعملية السياسية و كل ما نشأ و ينشأ عنها من مؤسسات و قوانين و دستور و سلطات و انتخابات، باطلة ليس لها أي مشروعية لا شعبية و لا قانونية طالما حصلت تحت الاحتلال و برعايته أو بضغط منه أو من أدواته و المتعاونين معه من سياسيين أو مليشيات عسكرية أو إعلام أو خلاف ذلك. و كل من يشارك بهذا إنما يضع نفسه في صف الاحتلال و حلفائه و المتعاملين معه. إنه حكم التاريخ .. ليس حكمي أنا ..
و أخيرا لا بد من ملاحظة ختامية حول بعض المصطلحات: ففي ظل الاحتلال الامبريالي المباشر و هيمنة القوى الظلامية و الفاشية، لا يسار إن لم يكن مقاوما للاحتلال ، و لا مجتمع مدني و لا علماني إلا بقيادة شيوعية مخلصة مناضلة و صبورة لا تتوانى عن تقديم التضحيات مهما عظمت و لا تتراجع مهما طال الدرب و قلت أسباب القوة و تكالب الأعداء و اشتد الحصار.



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن