اليسار الاشتراكي في العراق في مواجهة قطبي الإرهاب وتوابعهما

حميد كشكولي
hamidkashkol@yahoo.se

2008 / 2 / 5

لم يعد الميدان السياسي في العراق و أنحاء كثيرة من العالم حكرا على قطبي الإرهاب و توابعهما وإفرازاتهما فحسب ، بل أن قوى اليسار الاشتراكية و أناسا تحررين و أنصار حقوق الإنسان وحرية المرأة وحقوقها ومساواتها قد رفعت راية التمدن والإنسانية و التحرر، وأخذت تتقدم إلى الأمام لبلورة معالم الجبهة الثالثة عراقيا و أمميا، لمواجهة قطبي الإرهاب و توابعهما ، الذين يبرر كل طرف منهما جرائمه بما ارتكب و يرتكب الطرف الغريم من جرائم بحق الحياة المدنية و الإنسانية. لقد أمسى العراق بعد الاحتلال الامبريالي النموذج لما حققته الرأسمالية من أهداف في خلق بؤر التوتر ووسائل تمزيق الجماهير المحرومة ، وسائل " فرّق تسدْ" الخبيثة التي تتمثل في العراق و كثير من بلدان الجنوب العالمي بالقوميات والاتنيات و الطوائف و الثقافات " الأصيلة" والأديان والمذاهب والعادات و التقاليد البالية.

العراق محتل و يعاني شعبه من الاحتلال وإفرازاته الخبيثة من سلطات طائفية و قومية و مقاومة بعثية إرهابية ، وفقر و انعدام الأمان والأمن و أبسط الخدمات الاجتماعية التي تليق بالبشر.
اليسار التقدمي الاشتراكي في العراق يقف اليوم في صفوف الجبهة التقدمية الأممية، الجبهة الثالثة في مواجهة قطبي الإرهاب. هذه الجبهة اليسارية الأممية التقدمية ترسم " لا " هائلة بوجه قطب الإسلام السياسي و العروبة السياسية وكذلك قطب الإرهاب الدولي الإمبريالي بقيادة أمريكا و حلفائها و إفرازات سياستها الاستعمارية البغيضة. إنها جبهة كل البشرية التحررية المحتجة على الغطرسة العسكرية والسياسية الإمبريالية لأمريكا وحلفائها، و هي جبهة لمحاربة الإرهاب المحلي المتمثل بالإسلام السياسي والقوى الظلامية و القومية المتحالفة. اليسار الاشتراكي العراقي يناضل جنبا إلى جنب مع كل العلمانيين والتحرريين و مناصري حقوق الإنسان وحرية المرأة ومساواتها . اليسار التقدمي العراقي الماركسي يقف اليوم في مواجهة جبهتي الشر ّ المعاديتين للبشرية اللتين داستا على كل القيم الإنسانية و المدنية ، وعسكرتا العالم ، و نشرتا الرعب والاضطراب في المعمورة ، وحولتا قسما من العالم إلى خرائب ، و لا تزالان مستمرتين في الامعان بارتكاب جرائم الاتيان بالفقر والبؤس و المجازر والمقابر الجماعية للمحرومين والكادحين في العراق والعالم.

أهم سؤال يواجه كل معني ّ بحياة شعب العراق ومستقبلهم هو: ما القوى المؤهلة لإخراج جماهير العراق من محنتها، وكيف؟ وما أصعب الإجابة!!! فلا رجاء في أمريكا والغرب و الأنظمة الفاسدة ، ولا الإرهاب الإسلامي و القومي ، ولا يمكن التعويل على قوى اليسار القومي والبرجوازي . فهذه القوى مجتمعة سواء أخرجت المحتلين ، أم اتفقت معهم فلن تؤدي سياستها إلى تحقيق أبسط أهداف الشعب العراقي في التحرر والأمن والأمان.

إن الإمبريالية الأمريكية وحلفاءها و إفرازات احتلالها للعراق بررت التقسيمات القومية والطائفية باستخدام ما يسمى بالشرعية الانتخابية لبناء الدولة على أسس طائفية ، وتم في عهد بريمر تكريس الشرعية الانتخابية قانونياً،و الاصطفافات الطائفية القومية، ما أدى إلى أن تكون طبيعة تصويت المواطنين طائفية وعشائرية وقومية ،ولم يكن تصويتاً مثلما هو سائد في دول القانون والسيادة للهوية الوطنية المدنية ، بل جاء تصويتاً لهويات متعددة، طائفية ـ أثينية.

فهذه القوى مجتمعة لا تهمها قط حياة الناس و معيشتهم و مستقبلهم، وحين أخذ الجوع و الحرمان و المرض يفتك بشعب العراق منذ عقود وإلى اليوم ،لم تبدي هذه القوى الوطنية بيمينها ويسارها أية حركة جدية لخلاصهم.
إن على كتّاب اليسار و مفكريهم أن يكونوا واضحين في الرؤية والتوجه ، ليتمكنوا من تشخيص الداء الحقيقي ووصولاً إلى لم الشمل وتوحيد قوى اليسار. إن عليهم توضيح موقفهم من الاحتلال و ما يسمى بالمقاومة و الحكومة القائمة على التوزيع الطائفي التحصصي. و إن اليساري التقدمي الشيوعي، في ظروفه القاسية اليوم يناضل على عدة جبهات. يناضل ضد الاحتلال بأساليب إنسانية تقدمية شريفة غير عنفية . كما يواجه خطر القوى القومية و الإسلامية الظلامية التي تقود المقاومة ضد الأمريكان و حلفائهم . إن اليساري الشيوعي يمكنه التنسيق مع القوى التقدمية واليسارية في العالم ضد الاحتلال ، وفي نفس الوقت عليه أن يخاطب الجندي الأمريكي بروح الأخوة والإنسانية ، ويمد له يد الصداقة والمحبة ، وأن يفهمه أنه أيضا يستغل من قبل إدارة بلاده ،و أن العراقي والأمريكي في مركب واحد و يشتركون في مصير واحد. وعلى اليساري التقدمي أن يكافح في سبيل أن يدرك شعب العراق و العالم أجمعين أن القوى البعثية والقومية والإسلامية هي أبعد الناس عن مفاهيم التحرر والاستقلال ، وأنها لأخطر من قوات الاحتلال و مستعدة للعمالة والتعاون مع أية قوة في سبيل بسط نفوذها وهيمنتها على الشعب العراقي ، وإقامة سلطة استبدادية سوداء في ا لبلاد..
إن عدم إمكانية دخول اليسار التقدمي في ما يسمى بالعملية السياسية الجارية في العراق لا يعني أن يقف مكتوف الأيدي أمام التحديات المصيرية التي تواجه البلاد.
إن من أولى مهمات الشيوعيين والتحرريين والعلمانيين والمدنيين الديمقراطيين أن يكثفوا جهودهم وطاقاتهم ، من أجل الوصول إلى وحدة اليسار التقدمي ، وزجه في معركة تحرير العراق من جبهتي كارثتنا، قطبي الإرهاب ، وإفرازاتهما ، الاحتلال و القوى الظلامية التي أخرجتها القوى الإمبريالية من جحورها . ومن أجل الوصول إلى إقامة دولة القانون بدستور مدني متحضر يضمن التعددية السياسية و يحقق الحريات المدنية و الشخصية و الديمقراطية الحقيقية والاعتراف بالآخر. و اليسار يناضل في سبيل إزالة حكم الطائفة و الفرد والاستبداد نهائيا ، ويكافح من أجل دولة تقر للجميع بالحقوق المتساوية ، دولة المواطنة الحقة .. دولة يكون لكل العراقيين على حد سواء ، والكل مواطنون من الدرجة الأولى ، دولة تلغي وإلى الأبد القوانين العنصرية ، وفي مقدمتها القوانين المجحفة بحق المرأة ، دولة بعيدة عن المحاصصة والطائفية والعرقية والمذهبية، دولة لا تكون جزء لا يتجزأ من أية أمة ، بل العراق جزء لا يتجزأ من العراق و من الإنسانية . لذا فليجتمع كل اليسار التقدمي العلماني على أساس مهمات بناء دولة دستورية علمانية ، يفصل فيها الدين عن الدولة و الحكم ، و حق المواطنة هو الأساس ، لا القومية ولا الدين ولا الطائفة.
إن على اليسار العراقي لكي يضمن تحقيق النجاح لأعماله التخلص من ترسبات القومية و الوطنية الشوفينية و العشائرية و الأفكار الرجعية . إن اليسار العراقي يتقوى و يكون قوة مؤثرة في المجتمع حين يحدد الجروح و لا يقوم بمجاملة أية قوة. وإنه لمهمة ملحة أن يوضح اليسار مواقفه من الدين والثقافات القومية بأنها مسائل خاصة بالفرد لا يمكن فرضها على الآخرين ، وأنه حين ينتقد لا يعني أنه لا يحترم مشاعر الناس ومعتقداتهم. و إن اليسار عليه أن يقنع الجميع بأن اعترافه بحرية المعتقدات الدينية وممارسة كل الطقوس الروحية إن لم تكن تسئ للآخرين ليس مجاملة ، بل قناعة وهدف يناضل من أجل تحقيقه.
إن القومية و الطائفية هوية رجعية ولا إنسانية مفروضة على أناس لا ناقة لهم فيها ولا جمل. وإن ما يسمى بالمميزات أو الخصائص القومية واللغوية ليس له أي أساس علمي، ولا يستجيب لأبسط حاجات الإنسان ، و ليس ثمة في جينات الإنسان ما يدل على وجود اختلاف بين إنسان وإنسان، لكي يزعم جماعة ما تفوقهم على الآخرين ، وبالتالي إيجاد مبررات لاستغلال الغير واستثمارهم.
فالأوضاع المأساوية في العراق مثلما هي نتاج الاحتلال الأمريكي، فهي أيضا نتيجة لسيطرة الحركات القومية والطائفية وقيمها الرجعية في المجتمع العراقي، وسيادة الفكر القومي و الطائفي والمذهبي. فالمواطن يمكنه تجنب المحتلين والتخلص من شرهم ، لكن لا يمكنه التخلص ممن يريد قتله بعد السؤال عن اسمه ، أو طائفته المزعومة ، أو هويته الزائفة التي فرضتها عليه العولمة و ما بعد الحداثة.

إنّ اليسار العراقي يعيش في هذه الفترة أصعب مراحله أمام التحديات اليمينية و الرجعية المتصاعدة في المجتمع العراقي الذي تشوه الاصطفاف الطبقي فيه إلى أبعد الحدود. فمن جهة عليه مواجهة الاحتلال الأميركي ، و من جهة أخرى عليه مواجهة الإرهاب الدموي الرجعي الذي يسمى بالمقاومة الوطنية. إن ماكنة الدعاية البرجوازية وإعلامها دفعت باليسار إلى الانزواء و السلبية ، ولكن الظروف القاسية التي تعيشها الجماهير في ظل انعدام الأمن ، و عدم وضوح الأفق والقلق مما يحمله المستقبل ، وأجواء عدم الثقة المخيمة على الحياة السياسية ، كلها تضطر اليسار إلى التفكير جديا لإخراج الجماهير الكادحة من هذا المأزق ، و إبطال السيناريو الأسود المعد لمستقبلها.

إن من أهم الدروس التي يمكن لقوى التيار اليساري والتحرري العراقي استخلاصها من المرحلة المنصرمة بعد الاحتلال الإمبريالي و إسقاط النظام البعثي ، للاستفادة منها في نشاطها الراهن والمستقبلي هي تلك الانتخابات اللا مدنية اللا حضارية التي جرت لانتخاب الجمعية الوطنية ، والتي قامت في ظل الاحتلال الذي أصبح أساسا لمصائب العراقيين ، وشرعت محاصصة عشائرية وتوزيعا للحصص وللأدوار من وراء ظهر الشعب العراقي. ولم يمكن لليسار التقدمي أن ينزل إلى هذا الحضيض بمشاركته قوات بدر أو شيوخ عشائر شمر وجبور وغيرها في فرض نظام حكم عشائري متخلف على شعب متحضر ، و يجب أخذ هذا الدرس البالغ بالاعتبار . و لامكن لليسار الشيوعي أن يسعى إلى التطبيع أو التعاون مع حكومة المحاصصة الطائفية و قوات الاحتلال و القوى الظلامية والبعثية المنافسة لها بهدف الهيمنة على مقدرات الشعب العراقي و فرض سلطتها الرجعية السوداء عليه.
08-02-04







https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن