2008 / 2 / 6
ما أصعب أن تحرر العبد الذي ألف عبوديته
ط ـ ط
هذا الأمر ليس جديدا.. منذ مدة وهي تحس بسهام نظراته تلاحقها في كل مكان ، وتتغلغل في العمق من جسدها النحيف المرهق..
ومنذ مدة أيضا وهي ترى ابتسامته الوضيئة تفاجئها كلما رفعت رأسها ونظرت إليه..
وهاهو الآن يقف.. ليس بعيدا عن خبائها وليس قريبا..إنها ترفع حذرة ستار الخباء قليلا وتنظر حائرة خائفة..
ـ إيه يا وهاجة.. ما أروع شعرك حين ترسلينه إلى الخلف شلالا جبليا! .. يقول محدثا نفسه..ومتنهدا يضيف: وما أحلى ابتسامتك حين تفتحين بها صباحات أيامي الكئيبة!.. إيه يا وهاجة..
كان يفعل ذلك باستمرار .. وكان يتحايل في فعله ذاك حتى لا يكتشف أمره.. ينظر في كل الاتجاهات والرجفة تحاصر شفتيه ..وحين يتأكد أن لا أحد يراه.. يتقدم.. خباؤها عشبة القلب, والنسائم التي تأتي من جهتها ماء المكان ..
وكان إذا رآها تدخل خيمة سيده تزداد الرجفة في الجسد التائه , ويصير الألم حريقا يلتهم الداخل.. وفي الداخل ذاك يرفرف النسر بجناحيه المرعبين..منقضا على السيد , غارسا مخالبه الحادة القاطعة في عنقه.. وإذ تطول الوقفة يتساقط الريش ريشة تلو الأخرى ، وينظر أمامه فلا يرى إلا زملاءه العبيد يؤدون أعمالهم كما أمروا بتأديتها , ويسيرون مبتهجين مطأطئين رؤوسهم وكأنهم قطعان الإبل التي يرعون..
ووسطا.. هاهو الآن يقف.. ليس بعيدا, وليس قريبا.. إنه بين البين..
ـ ماذا تفعل هنا أيها العبد؟ قال السيد أبو ريعة..
فوجئ العبد فهمان .. ووقف مبهوتا مضطربا..
ـ ماذا تفعل هنا أيها العبد؟ كرر السيد أبو ريعة..
- أ.. أ .. أ..
ـ ألا تسمع أيها الكلب الحقير..؟ ماذا تفعل هنا قلت؟ .. أجب..
واستدار العبد إلى الخلف..حرك رجليه.. و..
ـ عد إلى هنا أيها الحقير.. وامتدت الكف صفعة ملتهبة..
لا شيء يا سيدي..لاشيءَ..فقط.. كنت أريد أن أرى إذا ما كانت جاريتك وهاجة ـ وذكر اسم وهاجة بخشوع واضح ـ تحتاج إلى خدمة ما..
ـ ها.. وهاجة إذن.. لماذا ليست مرجانة أو عفراء أو..؟ لماذا وهاجة بالذات أيها العبد الحقير.. لماذا؟ وامتدت الكف صفعات أخرى..
عفوك سيدي .. إننا نحن العبيد بشر مثلك..قال العبد متألما.. وأضاف خجلا: ولنا مشاعر ككل عباد الله..و..
- ها، ها.. بشر.. ومثلي.. ولهم مشاعر أيضا.. عشنا ورأينا .. وتتكلم باسم العبيد.. يالك من كلب نتن حقير!.. وامتدت الصفعات خناقا صخريا يحاصر العنق العزلاء..
عفوك سيدي ..عفوك.. قال العبد مترجيا..ثم جمع كل قوته وحرك جسده متملصا من حصار خناقه, ساحبا رجليه وراء ه, ودمعتان في العينين تكبران..
ـ تفوه..صاح السيد..
ولم يشعر العبد إلا وهو يصيح أيضا: عليك أيها التافه.. وبغضب محموم استدار ليدفعه بكلتا قبضتي يديه..
وكانت الأرض فوقا..ومن تحت كان الفضاء.. وبينهما كان جسد فهمان يضغط ويضغط..و..
حين استفاق السيد من غيبته وجد الجاريات ترششنه بالعطر..ورأى العبيد ينفضون الغبار عن ثيابه.. والجميع يبكون ..و..
كبرت حلقة العبيد..أصر السيد على إحضار كل عبيد القبيلة وسادتها ،رجالها ونسائها وأطفالها..
وقف السادة في المرتفع وأواني الخمرة تداعب أياديهم وشفاههم .. واستدارت الحلقة في الأسفل..
ـ قال أبو ريعة متباهيا بفصاحته: ياسادة قبيلتنا..يا نساءها ورجالها..
إنها لطريقة فعالة ما سترون..عملت بها قبائل ( ابن العافة) و(أبورندة) و(الحمامصة) قبلنا .. ولم يعد العبد عندهم يرفع رأسه أبدا ..أبدا..
استحسن السادة كلام السيد, وصفقوا مبتهجين أيضا..
وأضاف مفتخرا: سترون.. سترون..
ورأى السادة.. عبدان طويلان يتطاير الشرر من عيونهما, يسحبان العبد فهمان ويرميان بجسده المرتجف وسط الحلقة.. ويقفزان ..
ـ ماذا سيفعل هذان العبدان؟ سأل السادة..
انتظروا قليلا أيها السادة..أجاب أبو ريعة.. سترون..
ووقف العبدان الطويلان مستعدين عاريين إلا مما يستر عورتيهما..
ـ انهض أيها الحقير..قال أحد العبدين.. وركله بقدمه اليمنى ركلة أسكتت كل الأفواه التي كانت تتكلم..و..
حين وقف فهمان كانت قبضة يمنى العبد الثاني تحطم أسنانه..
وأسرعت القبضات ذهابا وإيابا..صعودا ونزولا..وأخذ الجسد الغارق في دمه والمقيد بالسلاسل يتلوى..يسقط وتنهضه الركلة..ينهض وتسقطه القبضات..
ـ صفقوا أيها العبيد.. زغردن أيتها الجاريات..
وصفقت الأيادي بطيئة في البدء..ثم سريعة صارت..وعلت الزغاريد..و..
سقطت الجثة أخيرا..
وقف السيد..أخذ حجرا ورمى الجثة..
ورمى العبيد باندفاع عجيب كثيرا كثيرا من حجارة المكان على الجثة أيضا.. وكانت الزغاريد تعلو وتعلو..
ـ قمعة.. طفيلة..ارميا جثة الحقير خارج الحلقة..صاح السيد أبو ريعة..وجيئا بهذا الكلب.. أضاف.. وأشار إلى العبد سمعان..
ـ قال السادة مندهشين: وماذا فعل هذا العبد أيضا يا أبا ريعة ياحكيمنا..؟
عجبا .. ألم تلاحظوا أيها السادة..ألم تروه وهو يستدير برأسه إلى الخلف ويعض بأسنانه على شفته السفلى..مظهرا ألمه على صديقه الحقير فهمان؟!
وسحب العبدان الطويلان بأيديهما الضخمة سمعان إلى الحلقة .. وواصلت الركلات والقبضات فعلها مزهوة سعيدة .. وعلت الزغاريد .. ودوت التصفيقات حارة صاخبة ..و..
حين رفعت الحلقة رؤوسها كانت الغربان تغطي السماء بنعيقها.. وكانت الريح جنوبية تملأ الأفق بأمواج الرمال ..
وإذ أعادت الرؤوس النظر إلى الأرض قوجئت وهي ترى الجارية وهاجة جثة تحضن جثة العبد فهمان التي سال دمها سواقي من ألق و حنان.
https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن