لا أقول وداعا ً أيها الحكيم

حميد الحلاوي
hameedalhillawi@yahoo.com

2008 / 2 / 4

في أواخـر السـتينات من القرن الماضي , وفي مطــالع الشــباب , كان ثمـة زاوية في شـارع السـعدون ,
تقابـل بناية فندق بغـداد , اشـهر فنادق العاصمـة آنذاك وتجاور بناية دار سـينما بابل , تلك الزاوية حملت إسـما عزيزا ً على القلـوب , سـواء لمـن أترعـت قلبـه ووجــدانه كؤوس القوميـة وفكرها , أو من كانـت الإنسـانية والأمميـة تمـلأ كل ذرة في كيــانه ... كان إســمها " المكتبة الفلسـطينية " التي ما أن ولجتها , وراحت أقـدامـي تطوف بي في أرجائها , حتـى كانـت السـعادة تغمرنـي , فعلـى الرف الذي على يمين المدخل وجدت كراسـا ً أبيضـا ً اللـون تتوسـط غـلافه نجمـة حمراء , يحمل عنوان :
( نص دفاع المناضل " أسكندري نزاد " أمام المحكمة العسكرية في طهران )
أصدرته منظمة فدائي الشـعب , التي كان صادق أسكندري نزاد , سكرتيرها العام
وعلى اليسـار كان هناك مجلتان أحداهما تحمل أسم " الهدف " والثانية تحمل أسم " الحريـة " ..أذكر يومها إنـي تصفحتهما , ولم أغادر المبنى سـاعتها إلا وهما في يـدي مـع الكراس المذكور , بعـد أن إكتحلـت عينـاي لأول مرة ٍ ومنذ أمـد بعيـد , بنص أو مقطـع من قصيدة " القدس عروس عروبتكم " لشـاعر العراق والعروبة , حامـل لواء الأممية , أبا " عادل ٍ" البطـل الذي ثأر للشـعوب العربية من جلاديها , قادتها الذين أبتلت بهم تلك الشـعوب , فكان وقـع القصيد أي وقع , عندما أتحفتنا " الهـدف " برائعـة , الأســد العراقـي الجريح ,
" مظفـر النـواب " :
ياموجعـا ً رئتــي بمـا تهمــي ســكاكينــا
في وقـت أمتدت السـنين بنـا لنشـهد قيام الجبهـة الوطنية وفسحة الحرية الممنوحـة لجرائد وصحف الحزب التي ما أسـتطاعت أن تشـير ولو بأشـارة بسيطة الى قضية الشاعر , وكأنـه لم يكـن شـيوعيا ً يومـا , بينما ظلت الهدف متنفســنا الوحيد للعثـور على أثر جديد لشاعر الشعب , لتسـتمر مسـيرة العشـق الأممي لا للـ
" الهـدف " و " الحريـة " وحدهمـا .. بل إمتدت لتسـتنهض العزم في قلبي الشـاب آنذاك , لتجعلني حاضـرا ً في كل فعالية للجبهتين " الشعبية " و " الديمقراطية " أقيمت في بغـداد , ولعل تاج العروس في تلك الفعاليات , التشــييع الرائع لذلك الشـهيد الشـيوعي العراقي البطـل " قيس محمد صالح العبيدي ", المناضل الذي لم يهـدأ له بال وهو الخارج توا ً من غياهب المحنـة الكبرى إلا بالإلتحاق بفصائل الثوار ليسـتشهد على الأرض المقدسة , على أرض البيارات ومزارع الكروم والزيتون , ويزف الى أرض الفراتين ويوارى الثرى ( في عرس و لا أروع أقامته الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين ) في مقبرة الشيخ معروف .
وتعاظـم إثـرها الود والحب لكـم ولقضيتكـم ونضـالكم في قلبـي الشـيوعي الفتـي , وتصاعدت معه أسـماء الكثير من المناضلين , لتسـمو وتتسـامى في خلايا الدماغ .. وينمو الغرام ويزدهر , مـع " الهدف " و " الحرية " حتى حلت السـاعة التي سـاد فيها الظـلام , حيث كان لأجراءات الصيانة أثـرها في غياب تلك الأعـداد الرائعـة والمجـلدات السنوية الضخمـة عن ناظري .. والى الأبـد ...صحبة مكتبتـي التي ذهـب قســم منها ..طعمـا ً للنيران , وقسـما ً منها سـكن القبور التي أعددتها له تحت الأرض , إبــان حملـة الفاشـست على الشـيوعيين العراقيين وحزبهـم المناضل .

لـذا كان لزامـا ً على أن أقف في في حضرة وداعـك الأخيـر , وأنا على مشـارف السـتين معتـرفا بالجميـل , لمـن سـاهم بشـكل كبير فـي عمليـة إعادة تشـكيل الوعي , وتجـذيره الى الأمـام .....نحو الضـفاف الرائعـة للفكـر الأنسـاني .

لأقول شـكراً لك وأنت بين ظهرانينا , وشـكرا ً لـك وأنت مغادر هـذا العالم , وشـكراً لك يوم نلتقي في حياة أخرى ... شـكرا للرفيق حواتمـة , مـع اجمل الأمنيـات بالعمر المديـد , شـكرا ً لمحمود درويش الذي رفض أن يكون الوطن حقيبة , ورفض أن يكون هو المسـافر , فأعطانا درسـا في الوطنية والإنتمـاء , ونحن شـباب قليلي الخبرة والتجربة , شـكرا ً لســميح , شـكرا ً لتوفيق زيـاد , شـكرا ً لأرض فلسطين التي أنجبت أبناء بررة مثلكم , ممـن رفعوا راية الفكر الأممـي عالية خفاقـة .



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن