نموذج جديد لشعريّة الهامش المغربي ، مقصّ الرقابة الرجعية يمتد ّ لحجب مدوّنة : - بائعة جسد- ! .

عبداللطيف الخفاوني

2008 / 1 / 12

............( لشد ما تكون عفيفة أرواح بعض المومسات....أطهر حتى من أجساد قدّيسين بأرواح منحطّة ) .......

*ردّا على حذف موقع التدوين العربي مكتوب: http://www.makoobblog.comل لمدونة :www.3ahira.maktoobblog.com

تتجاوز تجربة الكتابة ، الفتية والمثيرة للجدل للمدونة المغربية : "حليمة عبد القادر "، كونها حالة بوح متمرد يفضح عالم اضطهاد الأجساد المهدورة و المنبوذة ، الى اقتراف فعل كتابي متميّز يبلور شعرية سخط عنيف ، حدّ ايقاض مقص الرقابة الرجعي و افزاع أعين المروحنين الظلاميين المرتعبة من كتاب بعض المدونات و احداث رجة عميقة في مواقف قراء المدونات العربية الذين تتزايد أعدادهم باستمرار.
ليس هذا المقال انفعالا وجدانيا يستند الى غواية القراءة العابرة ، بل محاولة وضع نقطة ارتكاز اعمق لنقاش احدى مسائل الهامش الاجتماعي و تحديدا ما يمكن ان نسميه الشعرية المنبوذة. انه ربط مبرر بنظري بين الادب الهامشي و قضية محورية هي: تحرر المرأة.
ليس بوسعنا ها هنا الانحراف بالنقاش الى حقل حجاج علم الاخلاق المهدد باسقاطنا في معيارية ميتافيزيقية ، او تناول كتابات المدونة من منظور سيكولوجيا الجنسانية المستنفذة أيضا ، بل فقط تناول " نصوص " المدونة من وجهة نظر جمالية و واقعية " الادب " الفعّال عموما ، و حساسيته الصادمة خصوصا.
ان المدوّنة اذ تنحث لنا صورة صادقة عن احدى العوالم الانسانية المظلمة ، تطرح السؤال التالي على نفسها : "أليس من حقي الإستخفاف من العالم ؟ و فضحه؟". انه السؤال الاكثر دلالة على شعرية متمردة تتخذ السخرية أداة تبرّر بنظرها مشروعية كتابتها الموجّهة لقارئ مفترض! ، ليس لأن لديها حسابا تصفّيه مع هذا "العالم" الذي يضطهدها بجفاء و يقطعها عن كل حميمية فيه أساسا ، بل لأنها تريد قلب معادلة وضعها لتكشف أن الانحراف بعكس ما هو سائد - في اعتقاد الكثيرين - هو انحراف الذات المطلقة / المجتمع و ليس انحرافها / وضعها الذاتي ، الذي يحمل هنا شكل حالة سريرية ( واقعة مرضية ) لا ارادية هي نتاج مدمر للانحراف الأول . اننا هنا ازاء وعي عميق يتجاوز قاعدة المعايشة الانسانية الخاصة الى افق تفكير أشدّ عمقا فيها . و هذا وحده يعطي تدويناتها صفة النوعية و يضع كل حكم أخلاقي - اجتماعي عليها في قفص الاتهام ، كما يسفّه دعاوى تسلط الديني على كل نقاش يحاول الامساك بظواهر اقتصادية - اجتماعية كالتدعير / البغاء.

لكأنما حليمة تقرع بابا موصدا للخروج.....تبحث عن منفذ و لو عبر الكتابة يفضي الى شيء ما !.

بنظري ليست تجربة الكتابة لدى المدوًُنة مجرّد ترجمة لمأساة شخصية ، بل أكثر من ذلك ، انها نداء مفاجئ من داخل ما يجري بالأعماق ، بل هي ازاحة لصخرة تسد انبعاث صوت ضحايا يقدرن بمئات الآلاف بوطننا. يكتوين كلّ يوم بنار امتهان الكرامة و الاستغلال و كل اشكال العنف و الاضطهاد. و لأن ما يميّز كتابة حليمة زيادة عن فرادة حقلها الدلالي هو جمالية لغتها التعبيرية ، تلك التي أثارت انتباه أغلب قراءها ، فاني سأستعرض جوانبا أهم ، أرى انها تؤسس لخصوصية كتابة ناقمة ناهضة من الأعماق ، على شكل نقاط مركّزة كالآتي :

* ∟ انّ ما تفعله المدونة ببساطة هو : تسليط الضوء على اعتم البقع :على عالم البغاء..ذاك العالم الناتج عن نظام اقتصادي - اجتماعي سائد ، لن يزول الا بزواله.......

* ↓ انّ ما يميز محكيها / كتابتها هنا هو : انها تتحدث من داخل و انطلاقا من تجربتها الشخصية كباغية / "عاملة جنسية " . انها تهشم القوقعة من داخلها هذه المرّة...

* ↓ انّ الموقف الصحيح الذي يجب على القراء اتخاذه من تجربة كتابة مثيرة كهذه ليس حتما هو الموقف الاخلاقي و الديني - الميتافزيقي هنا ، الذين ان استصدرا سيكونان آليين و سينحطان في مثاليتهما و تجريدهما المعهودين لدرجة السطحية و العسف و ممارسة الارهاب الفكري . انّ الموقف السديد هو استكناه عمق التجربة و التعامل معها من منظور مختلف .....منظور كونها :

♥ صوتا مختلفا استطاع وعي تجربته الانسانية الخاصة جدا أولا ، ثم اختيار التعبير عنها بكل جرأة ثانيا، فنجح في التعبير عن حجم الشعور بالاغتراب الذي تعيشه ضحايا امتهان البغاء ، حجم السخط و المرارة الفائضة لدى شريحة من مجتمع تعيد انتاجه نظم الاستغلال و الاضطهاد الواطئة بلا توقف منذ فجر التاريخ...

○ صرخة لامرأة ممزقة ، تملك قدرة فائقة على كشف جزء من ترهيلاتنا التي يخجل البعض من الحديث عنها ، و تعريتها العميقة لمعايشتها الذاتية التي تعكس واقع الآلاف من ضحايا عملية تدعير متزايد و مخيف يزحف على مجتمعنا - لدرجة سابقة طفو دعارة رجالية الى السّطح - ممن يختار البعض تشنيعهن لا بل جلد أصواتهن أيضا و خنقها تحت دعاوى طهرانية ريائية زائفة...

♥ عاصفة آخرى استطاعت ان تغرسها هذه المرة لا امرأة من نساء المجتمع المخملي ، بما فيهن المفكرات النسوانيات البرجوازيات ( السوسيولوجية المغربية المعروفة فاطمة المرنيسي كنموذج) ، و محترفات الادب النسائي الايروتيكي المحظوظات( امثال الروائية الجزائرية احلام مستغانمي و الروائيات العربيات: سلوى النعيمي و رجاء الصانع) . بل انسانة منسحقة من اقصى عمق الهامش. و لولا طبقية مؤسسة النشر التي لا تسمح بسطوع شعرية كهذه تتناول احد حقول الطابو الثقافي ( الجنسانية المغربية ) ، لفجّرت معركة جدل مواقف اكبر مما هي بين قراء /كتاب مدونات كما يجري ها هنا...

○ فجوة أولى تؤسس لسؤال نقدي صارم تجاه ما يظل يعرف بالادب النسائي المحاصر ( رويات بعض المغاربيات و المشرقيات التي تحتفي بسرديات ايروتيكية - خلاعية طريفة ذات مضمون استهلاكي فج) ، لا بل مساءلة أدبية تلك التجارب - المفترضة - جميعها و قيمة واقعيتها على ضوء تجربة كتابة شقية كهذه ، ذات افق أكثر تفوقا كونها ليست أدبا رخيصا بل شعرية بوح استثنائي/ او شكلا من السيرة الذاتية ، تذكرنا هنا بتجارب أدباء الهامش ككتابات المغربي محمد شكري و الفرنسي جان جينيه...

♥ اعادة اعتبار الى ذات الكاتبة ، تلك الذات التي استنزفتها المعاناة داخل عالم جحيم التدعير / التعهير ( افضل التسمية على ماهو شائع مثل : بغاء ، عهر ، دعارة...) . اذ ان محكيها هو من منظور آخر محاولة عنيدة لاقتصاص رمزي للذات / الضحية من المجتمع ، لافتداء انبعاث مفترض - مبطّن تسعى اليه جاهدة بقوة...








https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن