عيسى المسيح رسول المُهمشين والمضطهدين.

أيمن رمزي نخلة
aimanramzy@gmail.com

2008 / 1 / 6

سلاماً أتركُ لكم. سَلامي أُعطيكم. ليس كما يُعطي العالم أُعطيكم أنا. فلا تضطرب قلوبكم، ولا ترتعب. جئت لتكون لهم حياة وليكون لهم أفضل.
هكذا قال السيد المسيح في نهايات أيامه. وتلك كانت رسالته السامية التي جاء من أجلها. لقد جاء ليعطي سلاماً للمتصارعين. جاء عيسى بن مريم وسط بيئة مليئة بالاضطهاد والتعصب والتفرقة العنصرية. جاء السيد المسيح في وسط شعب مُحتل.

وما أشبه البارحة باليوم!!!

فلم يكن الشعب اليهودي وقتها محتلاً فقط من الرومان، لكنه أيضاً كان مُحتلاً من العادات والتقاليد، ومن مُدعي الدين. كان الشعب اليهودي تحت استعمار آلهة الحلال والحرام. وكهنة الشريعة الذين يفعلون مثلما يفعل رجال الدين اليوم يَفتون ويُفصلون القوانين الدينية في إطار المحرمات والمحللات. لقد صنع وفصل رجال الدين القوانين والفتاوى طبقاً لاحتياجات الطبقات الحاكمة والمتسلطة على الشعب. حتى مستوى فتاوى العلاقات الخاصة بين الزوج وزوجته لم يتركوها.

جاء السيد المسيح وسط بيئة رجال الدين الذين يخترعون القوانين الدينية ليس من أجل حرية وراحة الإنسان، لكن من أجل تسلط وسيادة فئة على فئة أخرى. جاء السيد المسيح ليحرر الإنسان، ليكون الإنسان أهم من الشرائع والقوانين التي تفرق بين بني البشر بناء على خلفياتهم وطبقاتهم الاجتماعية.

جاء السيد المسيح عيسى بن مريم ليرفع المُهمشين والمضطهدين من حياة عبودية القوانين والشرائع البالية لحياة الحرية. جاء لتكون علاقة الإنسان حرة متفردة بينه وبين إلهه في علاقة شخصية سامية. جاء ليحرر الإنسان من السير طبقاً لقطيع مُغيب يسير وراء آلهة الشرائع الدينية واللوائح الظالمة المصنوعة لخدمة فئات الاستعباد والمستعمرين من أصحاب السلطة ومتخذي القرارات.

رُعَاة الأغنام الفقراء المُهمشين هم أول مَن استقبل عيسى بن مريم ويوسف النجار. نعم، إنه جاء للفقراء المضطهدين المُذلين. مريم أم عيسى ورجلها يوسف كانا من الفقراء الذين لا يملكون من حطام الدنيا شيئاً، لدرجة أنهما لم يجدا موضع تلد فيه مريم!!!!
كما أن رُعاة الأغنام الذين استقبلوا أسرة يوسف النجار ومريم والطفل يسوع من أحقر طبقات المجتمع اليهودي في ذلك الوقت. ويوسف خطيب مريم المدعو أبوه كان يعمل نجاراً وكانت حرفة فقيرة هامشية على طرف المجتمع اليهودي. وما بالك بالمجتمع المُحتل والوظائف الحقيرة فيه؟
في وسط هذا الجو المليء بالفقر والتمييز العنصري والطبقي جاء عيسى بن مريم. جاء قائلاً: أتيت لتكون لهم حياة وليكون لهم أفضل.

رُعاة الأغنام هؤلاء كانوا يبيتون في العراء ليتناوبون حراسة قطيعهم في الليل، كما قال القديس لوقا في بشارته. أي فقر هذا يجعل هؤلاء الرعاة لا يملكون مكان للمبيت لحراسة أغنامهم؟

ينامون ويبيتون في العراء!!!!

ويبدو من النصوص الإنجيلية أن هؤلاء الرعاة لم يكن يمتلكوا أغنامهم. لكن من فقرهم كانوا عمال تراحيل ـ كما نسميهم اليوم ـ لحراسة وتربية الأغنام الخاصة بسادتهم الذين يبيعونها لتقديمها ذبائح في الهيكل.
كانوا يبيتون في العراء!!!
يا له من تعبير قاس لفئات من المجتمع كانت وقتها من أقل الفئات كرامة وقيمة. كان هؤلاء الرعاة يبيتون في العراء!! أي مستوى معيشة كانوا يعيشونه؟ ما هي متطلبات الحياة الأخرى التي تعبر أمامهم في الأحلام أكثر من الدفء وقليل من الخبز الطري يسدون به رمقهم؟ لقد كانت حياة قاسية جافة ليس فيها أي حق من حقوق الإنسان الطبيعي على مر العصور. افتقد هؤلاء الرعاة كل مقومات الحياة الطبيعية. عاشوا أذل عيشة ممكنة، وأحقر حياة بدون أي ضروريات آدمية. لم تكن هذه الحياة في الهواء الطلق أفضل من السجن الانفرادي. لم تكن الحاجات الضرورية للمعيشة متوفرة. كانت حياتهم تحت خط الفقر بمراحل. كان الرعاة أموات لا حياة طبيعية لهم. أقل ما قاله القديس لوقا هو: كان في تلك المنطقة رُعاة يبيتون في العراء.

إنني حقاً مدين لصديقي العزيز "نادر نبيل المصري" الذي لفت انتباهي في حديثه الشيق لقيمة مجيء السيد المسيح للمُهمشين والمُضطهدين من أمثال رعاة الأغنام.

إنها دعوة أمل في عالم فقد الأمل في حياة أفضل. يوجد رجاء للمُهمشين والمُضطهدين حين يقوموا من تحت نير القوانين واللوائح والنظم البالية التي صنعها آلهة الشريعة. إنها الانتفاضة المطلوبة لتحدي كل القوانين المُقيدة لحريات الإنسان والسالبة لحقوقه الطبيعية في حياة أفضل. إنها دعوة اليوم للتمرد على كل القوانين المنسوبة إلى الإله. إنها دعوة الحرية من عبودية قوانين الكتب المقدسة التي استعبدت الإنسان لأخيه الإنسان. دعوة عيسى بن مريم المخلص من عبودية العراء إلى حرية ومجد الملوك. إن دعوة عيسى بن مريم المسيح للمحتقرين والمضطهدين للثورة على حياة العراء والذل والمهانة الاجتماعية لتكون للإنسانية حياة أفضل.



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن