العلاقات التجارية المغربية - الإسرائيلية؟

إدريس ولد القابلة
saharaokd@gmail.com

2008 / 1 / 10

العلاقات التجارية المغربية - الإسرائيلية؟
بين الحقيقة والإدعاء


لم يسبق لوزير في الاقتصاد والمالية أن أحرج مثل ما أحرج صلاح الدين مزوار في اللجنة المالية بالبرلمان بمناسبة مناقشة مشروع قانون المالية لسنة 2008. ولم يخلصه من الإحراج إلا استعمال الفيتو، باشهاره الفصلين 51 و53 من الدستور، للتصدي لمقترح المعارضة الرامي إلى المطالبة بتخفيض الضريبة المطبقة على بعض الشركات من جهة، ومن جهة أخرى اقتراح إضافة، إلى مدونة الجمارك والضرائب، بالعبارة التالية: "يمنع استيراد البضائع والسلع التي يعتبر أصلها أو مصدرها إسرائيل، وفقا لتعريف الفصل 16 من مدونة الجمارك والضرائب غير المباشرة".
للخروج من حالة الإحراج، لجأ وزير الاقتصاد والمالية إلى إشهار الفصل 51 الذي يعطي للحكومة حق رفض المقترحات التي تؤدي إلى تخفيض موارد مالية الدولة أو تضيف تكاليف جديدة، وكذلك إلى الفصل 53 المقر بحق الحكومة في رفض أي تعديل لا يدخل ضمن صلاحيات البرلمان، وذلك للتصدي لمقترح المعارضة الرامي إلى التنصيص على منع استيراد السلع الإسرائيلية، وبعد ذلك رد الوزير بأن المغرب لا يستورد أي شيء من الدولة العبرية، اعتبارا لالتزامه بالقرار 2800 لمجلس جامعة الدول العربية الصادر بتاريخ 19-9-1961، والذي أكدته مجموعة من قرارات الجامعة العربية ومنظمة المؤتمر الإسلامي، الذي يمنع أية علاقة مع إسرائيل ويمنع استيراد البضائع من الكيان الإسرائيلي وتصديرها إليه.
فهل هناك علاقة تجارية بين المغرب وإسرائيل؟

الشركات الإسرائيلية بالمغرب

هناك عدد كبير من الشركات المتواجدة بالمغرب على علاقة وثيقة بشركات إسرائيلية تتحكم فيها طولا وعرضا. ورغم أنه ليس من السهل الكشف عن هذه العلاقة بوضوح، إلا أن هناك بعض الأمثلة البارزة التي تفيد وبامتياز هذا التواجد القوي للمصالح الإسرائيلية بالنسيج الاقتصادي المغربي.
و من بين هذه الأمثلة البارزة شركة "زيماك" المحدثة بالدار البيضاء سنة 1983. وهي في الحقيقة فرع من فروع شركة "زيم" للملاحة، التي يمكن للمواطن العادي أن يعاين من حين لآخر حاويات "كنطيرات" ضخمة لها بميناء العاصمة الاقتصادية، وهي تحمل بوضوح وبأحرف كبيرة رموز الشركة ( Z I M ) .
و تساهم الدولة الاسرائيلية في رأسمال الشركة الأم "زيم" بأكثر من 48 بالمائة، وهي شركة ملاحية تؤمن رحلة بحرية مرة أو مرتين في الشهر بين المدينة الإسرائيلية أشدود (حيفا) وبرشلونة الاسبانية ثم الدار البيضاء.
أما شركة "تاهال" فهي متخصصة في تكنولوجيا الري الزراعي، وقد ساهمت في إقامة مشاريع بمدينتي بنسليمان ووجدة.
كما أنشئت شركة "ريكافيم" سنة 1993 بالمغرب كشركة إسبانية، وهي في الحقيقة فرع لشركة "نيطافيم" الإسرائيلية المتخصصة في التكنولوجيا الفلاحية، قد تم في نفس الفترة إحداث شركة "سوبرومان" المتخصصة في شتائل الموز والطماطم.
أما شركة "حيفا شيميكال" المتخصصة في الأسمدة فقد اقتصرت على أن تكون ممثلة من طرف الشركة الفلاحية لسوس. ونفس الشيء بالنسبة لشركة "مارشيم" الممثلة من طرف الأومنيوم الفلاحي لسوس.
و ما هذه سوى أمثلة لشركات بارزة في الصورة، أما المصالح الإسرائيلية الخفية فهي موجودة من خلال الشركات العديدة الأخرى، قائمة رغم عدم ظهورها بالاسم والمسمى.
و من الملاحظ أن القطاعات التي تسجل حضورا بارزا للمصالح الإسرائيلية بالمغرب، هي قطاع الأبناك والخدمات والوساطة وقطاع النقل البحري وقطاعي الفلاحة والسياحة، علما أن هناك اهتماما واضحا في السنوات الأخيرة بالقطاع الفلاحي، ولعل خوصصة أراضي سوجيطا وصوديا، هي فرصة للمزيد من التغلغل الإسرائيلي بالقطاع الفلاحي المغربي، ومن المنتظر أن يتم ذلك تحت غطاء إسباني لا محالة.
و من الشركات المغربية التي تروج منتوجات إسرائيلية بالأسواق المغربية في مجال التكنولوجيا المتقدمة، شركة " إم.تي.دي.إس" (MTDS)، المتواجدة بالرباط و"أنور تيكنولوجي " (ANNOUR TECHNOLOGIE) المتواجدة بالدار البيضاء، وكلاهما مرتبطتان بالشركة الإسرائيلية "شيك بوانت" (CHECK POINT).
وقد أكد لنا مصدر مطلع أن إحدى وكالات الأسفار بالدار البيضاء تقترح على زبنائها سفريات ترفيهية إلى إسرائيل بأثمنة مناسبة ابتداء من 10 آلاف درهم (السفر والمأكل والمشرب والإقامة).
وسبق لإسماعيل العلوي، عندما كان وزيرا للفلاحة، أن اعترف بوجود شركات مغربية تستورد من هولندة والدانمارك منتوجات مصنوعة بالدولة العبرية.
و أكد لنا أحد رجال الأعمال المغاربة، من المهتمين عن قرب بالعلاقات الاقتصادية مع منطقة الشرق الأوسط، أن هناك مجموعة من السلع الإسرائيلية في مجال النسيج والفلاحة والطاقة الشمسية، تم جلبها فعلا من إسرائيل وترويجها بالأسواق المغربية، كما أضاف أن هناك وحدات محلية تقوم بتمثيل شركات إسرائيلية بالمغرب، ومنها "كروماجين" (CHROMAGEN)، وهي شركة إسرائيلية عابرة للقارات متخصصة في سخانات الماء العاملة بالغاز وفي معدات الطاقة الشمسية، ويوجد مقر ممثلها بالدار البيضاء.
و من المعلوم الآن أنه في تسعينات القرن الماضي كثرت الوفود الإسرائيلية التي حلت بالمغرب والوفود المغربية التي اتجهت إلى إسرائيل. فقد حضر رجال أعمال إسرائيليين في سبتمبر 1997 للمشاركة في المؤتمر العالمي للماء الذي انعقد بمدينة مراكش. وتوالت الزيارات سنة 1999 في الخفاء، لتزامنها مع اتساع مدى الجولة الثانية للانتفاضة الفلسطينية. هكذا ظل رواج وترويج المنتوجات الإسرائيلية بالأسواق المغربية، إذ ارتفعت المبيعات الإسرائيلية بالمغرب آنذاك بما قدره 18 بالمائة على أقل تقدير.

تقرير هيئة إسرائيلية

لا وجود لعلاقات تجارية بين المغرب وإسرائيل، لأن بلادنا أخذت على عاقتها احترام قرار الجامعة العربية القاضي بمنع أية علاقة بالجانب الإسرائيلي.. هذا هو الموقف الرسمي الذي اعتمده وزير الاقتصاد والمالية للرد على اقتراح المعارضة، وهو ذات الموقف الذي سبق لمدير العلاقات التجارية العالمية بوزارة التجارة أن عبر عنه عندما كشف تقرير إسرائيلي عكس هذا القول، وهو التقرير الصادر عن هيئة (IEICI: Israël Export and International coopération Institute ) الكاشف عن وجود تبادل تجاري بين المغرب وإسرائيل في حدود أقل من مليوني دولار خلال النصف الأول من سنة 2005. ورغم أن هذا الرقم لا يمثل إلا جزءا ضئيلا جدا من القيمة الإجمالية للميزان التجاري المغربي، لكنه يؤكد وجود تبادل.
وبعد صدور هذا التقرير أدلت جهات رسمية بأنه إن كان هناك تبادل تجاري، فالأمر يدخل في نطاق التهريب، علما أن كل الجهات الرسمية ذات الاختصاص (الوزارات، مكتب الصرف، الجمارك...) ظلت تقر بعدم وجود علاقات تجارية رسمية مع إسرائيل.
وكذلك الأمر بخصوص سنة 2006، إذ أكد تقرير الهيئة الإسرائيلية على أن 46 شركة إسرائيلية صدرت إلى المغرب ما قيمته أكثر من مليوني دولار (20 مليون درهما) في النصف الأول من 2006، وبذلك تحقق ارتفاع قدره 23.5 بالمائة مقارنة بنفس الفترة من سنة 2005. كما أقر هذا التقرير بأن هناك 28 شركة مغربية تعاملت مع شركات إسرائيلية.

توصيات تقرير إسرائيلي قديم طبقتها إسرائيل

جاء في تقرير إسرائيلي منذ سنوات، ما مضمونه أنه على الرغم من أن دول المغرب العربي، وخصوصا المغرب، بعيدة جغرافيا عن حقل الصراع العربي الإسرائيلي (الذي أصبح الآن صراعا فلسطينيا إسرائيليا فقط)، إلا أن الدول المغاربية وجدت نفسها في قلب هذا الحقل، وأحيانا أقحم بعض الأشخاص من المنطقة أنفسهم بما يخدم المصلحة الصهيونية بالدرجة الأولى، وبعد أن كانت علاقات الكواليس بين أكثر من عاصمة وأكثر من شخصية مغربية على أعلى مستوى والكيان الصهيوني تبدو في الظاهر كأنها ساخنة، إلا أنه تم الكشف عن جملة من أسرار هذه العلاقات، وهذا ما اعتبرته الدولة العبرية انتصارا دبلوماسيا لصالحها. وهذا ما قصده أحد الوزراء الإسرائيليين بقوله، منذ ، "إن الجليد سيذوب قريبا بين حكومته ومعظم الدول العربية"، وهذا ما كان.
لقد أشار التقرير الإسرائيلي أن إسرائيل ظلت تراهن كثيرا على دول المغرب العربي، وذلك لأسباب سياسية واقتصادية وأمنية. وقد لعبت الجاليات اليهودية التي استوطنت دول المغرب العربي (لاسيما المغرب)، دورا كبيرا في تحقيق التقارب بين دولتهم العبرية (التي يسعون حاليا إلى ترقيتها إلى "دولة يهودية") ودول المغرب العربي، علما أن مجموعة من اليهود ذوي الأصول المغاربية (لاسيما اليهود المغاربة) تولوا مناصب حساسة في الكيان الصهيوني. وهذا ما يفسر طرح المغرب نفسه، في عهد الملك الراحل الحسن الثاني، كوسيط في أوج الصراع العربي الإسرائيلي.
فعلا، على مدى سنوات هذا الصراع لعب المغرب أدوارا جوهرية غير معلنة (يمكن الإشارة إلى أن رئيس الوزراء الإسرائيلي المغتال، إسحاق رابين، توجه مباشرة عقب توقيعه على اتفاق "غزة – أريحا" إلى الرباط لتقديم الشكر والامتنان للملك الراحل الحسن الثاني).
لكن، في واقع الأمر، تراهن إسرائيل على المغرب العربي خصوصا لأسباب اقتصادية وأمنية وجيوسياسية.
فعلى الصعيد الاقتصادي،، تبرز جل الدراسات الإسرائيلية أن أسواق المغرب العربي تستهلك من المنتوجات الصناعية والزراعية ما يفوق 30 مليار دولار (300 مليار درهم) سنويا، وجل هذه المنتوجات تصل إليها من فرنسا وإيطاليا وإسبانيا وبلجيكا والبرتغال، وإسرائيل بإمكانها تزويد مختلف الدول المغاربية بنفس البضائع وبكلفة أقل في حالة تكريس التطبيع مع العالم العربي.
كما أن تقارير سرية إسرائيلية، كشفت عنها بعض الصحف العبرية، أفادت أن إسرائيل تتطلع بشغف كبير إلى اليورانيوم الجزائري الموجود بمنطقة "تاسيلي" جنوب الجزائر.
وتخلص جل الدراسات الإسرائيلية إلى أن الاستهلاك في دول المغرب العربي في توسع مستمر، وسيظل كذلك، باعتبار أن الاقتصاديات المغاربية، في عمومها وجوهرها، ستبقى اقتصاديات استهلاكية على المدى المتوسط البعيد أيضا.

مصالح إسرائيل الاقتصادية بالمغرب

هناك مصالح إسرائيلية كثيرة ببلادنا، لاسيما وأن الإسرائيليين تمكنوا من التسرب بمختلف الأشكال في جملة من القطاعات الاقتصادية وتمكنوا من إرساء مصالح أكيدة. ولا يخفى على أحد أن هذه المصالح تساهم، بشكل أو بآخر، في تمويل الآلة الحربية الإسرائيلية.
علما أن بعض الجهات ظلت تعلن جهرا أن العلاقات انتهت رسميا مع إسرائيل منذ 23 أكتوبر 2000، في عهد نتنياهو، مع إقفال مكتب الاتصال الإسرائيلي بالرباط ومكتب الاتصال المغربي بتل أبيب، على مختلف الأصعدة ومن ضمنها العلاقات الاقتصادية والتجارية كما قيل آنذاك. وفي هذا الصدد، وجبت الإشارة إلى أنه في تلك الفترة قامت ثلة من الفعاليات المغربية بتوجيه ملتمس للوزير الأول عبد الرحمان اليوسفي لمطالبته أنذاك بمنع استيراد المنتوجات الإسرائيلية وعدم قبول أية سلعة قادمة من مصانع وشركات إسرائيلية إلا أن الوزير الأول لم يول أي اهتمام لهذا المطلب بل تجاهله جملة وتفصيلا، علما أن أكثر من مصدر كشف حينذاك الستار على علاقات تعاون إسرائيلي – مغربي على الصعيد العسكري، وتناسلت التصريحات منذ عقد معاهدة أوسلو سنة 1993، ولم يصدر أي تكذيب بخصوص ما نشر في هذا الصدد. كما أن المتتبعين لشؤون الاستثمار ببلادنا، أكدوا أنه في منتصف تسعينات القرن الماضي لم يفوت الإسرائيليون أي فرصة للاستثمار ببلادنا. آنذاك تم التوقيع على اتفاق بين الخطوط الملكية الجوية وشركة "عال" الإسرائيلية عندما كان اليهودي سيرج برديكو وزيرا للسياحة.
و في تلك الفترة تناسلت الأخبار والإشاعات بخصوص الكثير من المشاريع، بين رجال أعمال مغاربة وإسرائيليين رغم أن الكثير منها لم ير النور. ومن ضمنها مشروع "هنا مردخاي" السياحي بآكادير. وكذلك محاولة المجموعة المالية الإسرائيلية "كول بيس بروجكت" إحداث فرع لها بالدار البيضاء من طرف "دافيد عامران"، وهو ضابط سام سابق بالجيش الإسرائيلي. هذا إضافة إلى جملة من المشاريع الاستثمارية في قطاع التجهيزات والتكنولوجيا الفلاحية، وخصوصا فيما يتعلق بتقنيات السقي وتدبير الماء.
و في هذا الإطار تكلفت شركة "تاهال" بتطهير المياه بمدينة بنسليمان قصد استعمالها لسقي ملعب المدينة. كما لوحظ آنذاك حضور بارز لإسرائيليين في مشروع التجارب بآزمور، وتم إحداث شركات ترميم آلات ومعدات السقي والري وشركة للملاحة البحرية، بمساهمة مهمة لأموال إسرائيلية.
و من المعروف الآن، أنه منذ سبعينات القرن الماضي، ظلت الشركات الإسرائيلية تبيع التجهيزات الفلاحية للمغرب، في البداية كانت تتم العمليات مباشرة، وبعد ذلك بواسطة الشركة الهولاندية "سلويس وكروت" وشركات أوروبية أخرى وأغلبها مستقرة بقبرص. علما أن البنك الدولي وصندوق النقد الدولي ساهما في تمويل جزء كبير من اقتناء المنتوجات الإسرائيلية بواسطة قروض منحت للمغرب. وبهذه الطريقة ولجت شركة "نيطافيم" الإسرائيلية إلى الضيعات المغربية في واضحة النهار، وهي التي كانت وراء فضيحة بذور الطماطم الفاسدة المستوردة من إسرائيل، والتي ألحقت أضرارا بالغة بزراعة الطماطم ببلادنا في عدة مناطق مغربية رائدة في إنتاجها. وقد تبين عبر أكثر من مصدر خارجي أن الأمر كان مقصودا ومخططا له.
و خلال منتصف الثمانينات وتسعينات القرن الماضي، تمكنت بعض الشركات الإسرائيلية وأخرى أوروبية، مثل شركة "فيف كونترول" الإسرائيلية وشركة "ريكافيم" الإسرائيلية الاسبانية و"زيماك" وشركة "تاهال" وشركة "سوبروما" وشركة "حيفا شيميكال" وشركة مارتيشيم" وغيرها من الشركات الإسرائيلية، من اختراق النسيج الاقتصادي المغربي.

الاختراق الإسرائيلي للقطاع الفلاحي المغربي

لم يعد يخفى، على أحد أن تقنيات الري الإسرائيلية اجتاحت القطاع الفلاحي العصري وشبه العصري بالمغرب. إنها تغطي ما يفوق 40 ألف هكتار، علما أن أكثر 65 بالمائة من الفلاحين المغاربة الذين يتعاطون لزراعة البواكر يفضلون، فعلا وفعليا، التجهيزات والتقنيات الإسرائيلية، لاسيما تلك التي يسمونها "بابريلا" و"وادانيلا". إذ أضحى من الصعب بمكان التخلي عنها من طرف الفلاح المغربي.
كما أن إحدى الدراسات أقرت بأن 85 بالمائة من الفلاحين المغاربة يستعملون البذور الإسرائيلية.
لكن كيف كانت تصل المنتوجات الإسرائيلية إلى السوق المغربية، بفتح أبواب المغرب على مصراعيها، رغم عدم وجود علاقات تجارية رسمية بين بلادنا والدولة العبرية؟ الجواب بسيط للغاية، إن الشركات الإسرائيلية تبيع امتياز تلفيف بضائعها ومنتوجاتها لشركات أوروبية (لاسيما الايطالية والاسبانية)، وهكذا يختفي أثر مصدر السلعة والمنتوج أو لعل الشركات الإسرائيلية تعتمد على إحداث فروع لها بالمغرب عبرها شركات إسبانية وأخرى أوروبية. وهذا ما حصل مثلا بالنسبة لشركة "ريكافيم"، وهي ممثلة في أكثر من مدينة مغربية تابعة للشركة الأم "ريكابير برشلونة" ولكنها في واقع الأمر فرع من فروع شركة "نيطافيم"، وهي شركة إسرائيلية عابرة للقارات. وغالبا ما تصل المنتوجات الإسرائيلية إلى الأسواق المغربية بواسطة الخط البحري الذي تُؤمّنه شركة "زيماك"، التابعة لشركة "زيم" الإسرائيلية التي تنقل المنتوجات من إسرائيل إلى برشلونة أو لشبونة ومن ثمة إلى الدار البيضاء، لتلج الأسواق المغربية بكل حرية وكأنها منتوجات أوروبية.
و لا يقف الأمر عند هذا الحد، إذ إن أغلب المساعدات الممنوحة للمغرب من طرف الاتحاد الأوروبي هي بالأساس مرصودة لاقتناء تجهيزات الري الإسرائيلية والتقنيات والآليات والأدوات والمعدات المرتبطة بها. وما دام أن الأمور قد سارت على هذا المنوال، لذلك لم يبادر عبد الرحمان اليوسفي (الوزير الأول آنذاك) للاستجابة، أو على الأقل الإجابة على ملتمس توقيف استقبال المنتوجات والبضائع الإسرائيلية بالمغرب، والذي تم توجيهه من طرف جملة من الفعاليات الديمقراطية المغربية.

علاقات المغرب بإسرائيل لم تنقطع؟

منذ اعتلاء الملك الراحل الحسن الثاني عرش المغرب ظل خيط رفيع (خيط "أريان" حسب التعبير الفرنسي) يربط بين الرباط وتل أبيب، ولم ينقطع يوما، حتى في أوج الصراع العربي – الإسرائيلي وغليان الشارع المغربي بهذا الخصوص.
علما أن مغاربة إسرائيل ظلوا يلعبون دورا مهما في الاحتفاظ بهذا الخيط الرفيع قائما، كيف لا وعددهم يناهز 700 ألف إسرائيلي من أصل مغربي، وهو الأمر الذي تكون له تأثيراته وتداعياته على الصعيد الاقتصادي كذلك.
وقد سبق للكثير من المسؤولين الإسرائيليين أن عبروا عن استمرارهذا الخيط الرفيع بين البلدين، إذ سبق لـ "بنعمي شالموم" (وهو من مواليد طنجة تقلد وزارة الأمن والداخلية بالكيان الصهيوني) أن قال: "إن الملك الحسن الثاني كانت له نظرة برغماتية ثاقبة ببعدين، السعي إلى الاقتراب من الغرب والتوق لربط علاقات منتجة بين اليهود والمغرب". كما صرح "سيلفان شالوم"، وزير الخارجية الإسرائيلي، قبل زيارته للمغرب في نوفمبر 2005، للإذاعة الإسرائيلية قائلا: "تبعا لاتصالات سرية ولقاءات مع مجموعة من الوزراء المغاربة يتضح أن المغرب قرر إعادة ربط علاقات مع إسرائيل"، وقبله كان "شالوم كوهن"، المدير العام للشؤون الخارجية الإسرائيلية، قد قام بعدة زيارات إلى المغرب في سرية تامة.
كما قامت عدة وفود مغربية، رسمية وغير رسمية، بزيارات عمل إلى الدولة العبرية، وكذلك دأب مسؤولون ورجال أعمال مغاربة على لقاء نظرائهم الإسرائيليين سواء بإسرائيل أو خارجها، ولعل آخر لقاء من هذا النوع جرى في يوليوز 2007، بين محمد بنعيسى والطيب الفاسي الفهري وياسين المنصوري وبين وزيرة الشؤون الخارجية الإسرائيلية بالعاصمة الفرنسية، باريس.
ومنذ أن كان الملك الراحل الحسن الثاني وليا للعهد، قال: "(...) لو كنت مكان الدول العربية، لاعترفت بإسرائيل ولقبلت عضويتها بالجامعة العربية (...) لأنها، على كل حال، دولة قائمة ولا يمكن إزاحتها" (كتاب "ذاكرة ملك"، ص 245 الطبعة الفرنسية).
وفي القمة الإسلامية المنعقدة بالدار البيضاء سنة 1965 برزت فكرة "التعايش السلمي أو الإعلان عن الحرب"، علما أن الموقف الرسمي المغربي تأسس منذ البداية على الانطلاق من دعم القضية الفلسطينية والتضامن اللامشروط مع الشعب الفلسطيني من جهة، ومن جهة أخرى، الاعتدال والواقعية في التعامل مع إسرائيل كأمر واقع.
وقد أقر الراحل الحسن الثاني بضريبة خاصة على السجائر وتذاكر السينما تذهب مداخيلها إلى الفلسطينيين، وذلك على امتداد عقود من الزمن، كما أرسل تجريدة إلى سيناء والجولان للمشاركة في حرب أكتوبر 1973، لكنه ظل يعتمد لغة الحوار، وفي هذا الإطار أجرى لقاءات سرية عديدة لتسهيل اللقاء بين الإسرائيليين والمصريين، وهذا ما مكن من تهييء ظروف قيام اتفاقية "كامب ديفيد"، والتي انتقدها الحسن الثاني بشدة لأنها لم تلم بالمشكل في شموليته، ورغم ذلك ساهم من جديد في إعداد الظروف للقاء "أوسلوا" بين الفلسطينيين والإسرائيليين سنة 1993، وهذا ما صرح به كل من ياسر عرفات و"سيمون بيريز".
ففي عهد الملك الراحل، ظل المغرب يدعم البحث عن السلام العادل في الشرق الأوسط، ويشجع المفاوضات الفلسطينية – الإسرائيلية داعيا الجانبين دوما إلى الاعتدال.
وفي سنة 1986 اتخذ الملك الراحل خطوة جريئة بدعوة رئيس الوزراء الإسرائيلي آنذاك، "شمعون بيريز"، وعقب التوقيع على إعلان المبادئ الفلسطينية - الإسرائيلية في سبتمبر 1993، سارع المغرب إلى تفعيل إقامة روابط مع إسرائيل على مستوى مكاتب الاتصال الثنائية (سبتمبر 1994) حتى يتسنى للجالية المغربية اليهودية بإسرائيل التواصل مع وطنها الأم، لكن هذه المكاتب أغلقت سنة 2000 بفعل العنف والإرهاب الصهيونيين في حق الشعب الفلسطيني المنتفض للدفاع عن أرضه.
إدريس ولد القابلة رئيس تحرير المشعل






https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن