في الذكرى السادسة للحوار المتمدن

صلاح بدرالدين
kurdarab2004@yahoo.com

2007 / 12 / 9

ظهر منبر الحوار المتمدن كبادرة خلاقة اتسمت ببعد نظر مؤسسيه في الوقت المناسب للأسباب التالية :
1 – بعد انهيار دول المنظومة الاشتراكية منذ أواخر القرن المنصرم وغياب تلك المنابر الاعلامية المسموعة والمقروءة التي كانت تشكل الغذاء الفكري – الثقافي لمئات الملايين من البشر على امتداد الكرة الأرضية وبالتزامن انكفاء الحركة الشيوعية واليسارية في بلدان العالم الثالث وبلداننا من ضمنها وما تمخض عنه من توقف وتعثر العديد من الصحف والمجلات ودور النشر المعنية بنشر الثقافة الاشتراكية وطرح قضايا الطبقات الفقيرة والشعوب المناضلة من أجل الحرية التي كانت تصدر باشراف مؤسسات ومنظمات قريبة من الأحزاب الشيوعية والمدعومة من عواصم الدول الاشتراكية ( سابقا ) وكان لها متابعوها بأحجام متفاوتة أيضا نقول بعد ذلك باتت الحاجة ماسة الى منابر من نوع آخر خارج الدائرة المركزية المتزمتة ومنفتحة الى أقصى درجات الليبرالية ومن المعنيين بالقضية حتى تتمكن من استيعاب صدمة الزلزال أولا وتباشر في ملىء الفراغ الناشىء وقراءة نقدية لما حصل بجميع الأبعاد الداخلية والفكرية والسياسية والتنظيمية والثقافية والاجتماعية وفي هذا المجال شكل الحوار المتمدن محاولة جادة تسير في درب الريادة والاكتمال .
2 – كانت هناك حاجة مماثلة أخرى وماسة لتشخيص مكامن الخطأ وأوجه الانحراف في التجربة الاشتراكية العالمية وهو بحد ذاته محاولة لاعادة الصدقية الى المبادىء بادانة ما اقترفته أيدي البيروقراطيات الحاكمة وساهم الحوار المتمدن بقسطه في انجاز هذه المهمة بنشر وتوثيق الآلاف من الأبحاث والتحليلات والمقالات والندوات العلمية التي شارك في اعدادها كتاب ومثقفون من مختلف الاتجاهات والتيارات الفكرية والثقافية والسياسية بما فيها المناوئة للفكر الاشتراكي ويسجل ذلك لهذا المنبر اليساري كالتزام بالديموقراطية واحترام الرأي الآخر بالرغم من منحه الأولوية في أكثر الأحيان – وهذا من حقه - في ابراز وتقديم مواقف التيارات – اليسراوية – الراديكالية ونزعاتها العدمية والخارجة عن أطر ومفاهيم اليسار الديموقراطي العقلاني الى جانب منح علامات متدنية في التقييم والتسلسل لكتاب المقالات الذين لاتنسجم كتاباتهم مع نهج هيئة التحرير رغم جديتها ورصانتها ومضامينها الغنية فكرا وثقافة ويفضل أن يتم تدارك هذه الاشكالية الديموقراطية بالمستقبل .
3 – كما تصدى الحوار المتمدن منذ البداية لاشكاليات اليسار عموما ( أحزاب الحركة الشيوعية التقليدية واليسار القومي واليسار الجديد ...)الذي يعيش حالة من التفكك والتشرذم في منطقتنا ولم يستقر له منهج في الحياة السياسية بل أن بعض أجنحته بدأ يميل الى الفكر القوموي وآخر يرتد نحو الآصولية مع ثبات قوته االرئيسية رغم تواضع تأثيره على مبادئه الأساسية ولكن دون تحقيق الاطار التنظيمي الفاعل .
4 – ولم يغب في مسيرة الحوار المتمدن الاهتمام المباشر والبحث الجاد من وجهة النظر الأممية والانسانية في قضايا الشعوب والقوميات المناضلة من أجل انجاز حق تقرير المصير مثل الكرد والفلسطينيين والأمازيغ وشعب جنوب السودان حيث تشغل الهموم القومية المشروعة حيزا واسعا من مساحة هذا المنبر باتجاه المساهمة في الحل السلمي الديموقراطي للمسألة القومية والتعايش بين الشعوب في اطار التوافق الوطني وطرح التجارب الانسانية في هذا المجال وتقييم تجربة اقليم كردستان العراق الفتية الواعدة ومواكبة الصراع الفلسطيني الاسرائيلي .
5 - المرأة وقضاياها في سلم أولويات الحوار المتمدن ان كان على صعيد طرح ومناقشة حقوق المرأة وسبل تحقيقها أو بافساح المجال أمام المرأة المثقفة لتدلي بدلوها في مختلف القضايا والمواضيع بما فيها شجونها وشؤونها .
6 – وقد كان منبر الحوار المتمدن سباقا في التصدي العلمي الثقافي لظواهر الاسلام السياسي التي بدأت تتفاقم وتضاعف من مخاطر بث الفتن والانقسامات والحروب الطائفية وتدمير بنى المجتمعات ووقف التحولات الديموقراطية ولاشك أن هذا المنبر يتميز بالثراء في مجال البحوث والتحليلات العميقة بأقلام مفكرين ومثقفين بارزين متمكنين بخصوص مخاطر وحقيقة الاسلام السياسي وسبل التصدي لشروره وفي مقدمتها الارهاب الفكري والثقافي والعنفي والفتاوى التكفيرية التي ترمي الى اعادة ظلامية القرون الوسطى وجهالتها .
7 – ولم يغفل الحوار المتمدن قضايا أخرى تمس حاضر ومستقبل البشرية مثل العولمة والاقتصاد العالمي والصراع الدولي والارهاب والنفط .
لقد تحول الحوار المتمدن منذ ظهوره الى رئة يتنفس من خلالها كل مجاميع اليسار بمختلف أطيافه والتيارات القومية الديموقراطية والليبرالية ولاشك أن منبرا بهذا الحجم وتلك الأهمية أحوج ما يكون الى التجديد والتطوير ليواصل عطاءه المعرفي لتنوير الطريق أمام مسيرة الشعوب وعملية التغيير الديموقراطي وتحقيق السلم والرفاهية للانسان .
ليس سهلا ادارة مثل هذا الموقع المميز بنجاح بكل تعقيدات ظروف العمل المحيطة المعروفة ومنها الامكانيات المتواضعة التي رافقت البدايات من غير توفر العنصر البشري المبدع الخلاق المتجسد بأعضاء هيئة التحرير ولهم منا كل التقدير والذين لم يكونوا ليحققوا هذا النجاح من دون المساهمة الثقافية والجهود الفكرية من جانب المئات من الكتاب والمختصين من مختلف التيارات الثقافية والمدارس الفكرية .





https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن