نحو يسار جديد....

مازن كم الماز
mazenkamalmaz@yahoo.com

2007 / 11 / 17

إن اليسار اليوم ليست قوة التغيير التي يخشاها الطغاة أو التي تثير فزع المستغلين , إنه ليس القوة التي يمكنها أن تحرك الشارع أو أن تمثل البديل بالنسبة لهذا الشارع..طبعا ليست القضية في أن يكون اليسار صاحب الشعبية الكبرى في الشارع فهذا هو فقط المدخل لإنجاز المهام التاريخية المناطة باليسار أو بالقوى الاجتماعية و الفكرية و التاريخية التي يمثلها..فالطبيعة الستالينية و الصفة البيروقراطية الفوقية لمعظم منظمات اليسار العربي أدت إلى انفصال غريب بين هذا اليسار و بين القوى الاجتماعية المهمشة التي يفترض أنه يمثلها..إن القضية الأساسية لهذا اليسار اليوم هي الاستمرار كما هو و ليس أن يكون القوة السياسية و الفكرية لتلك الجماهير أو أن يحاول طرح بديل عن واقعها الحالي المأساوي..في فترة سيطرة الستالينية كان الموقف من الاتحاد السوفيتي يشكل النقطة الأساسية فيما سمي موقفا طبقيا , هكذا تم تشريع إهمال مصالح الناس الواقعية و فتح باب التحالفات مع قوى اجتماعية أو فعلية تسلطية أو حتى استغلالية , أي يفترض أن تشكل الخصم الفعلي للقوى التي تمثل الجماهير..كان الأساس في هذا كله هو "اكتشاف الحلقة الرئيسية" , هذا ما يمارسه اليسار حتى اليوم بإخلاص شديد..الحلقة الرئيسية عند البعض تمثلت في العداء لأمريكا , و عند البعض الآخر في العداء للأصولية , أما اليسار الديمقراطي فهو يعتبر نفسه "خصما لا يعرف المساومة" لهذا النظام الاستبدادي أو ذلك دون سائر المستبدين أو المستغلين أو المضطهدين..في كل الأحوال هناك انفصال كامل عن الواقع الاجتماعي من جهة و تبرير لحالة تبعية غريبة لقوى اجتماعية أكثر تماسكا و أكمل في تعبيرها عن مصالحها..نادرا لذلك ما يمكنك أن تفرق بين اليسار و بين "حلفائه"..يتجاوز هذا التشابه الأقرب إلى التقليد لهجة الخطاب السياسي إلى الأهداف التي يتبناها اليسار و التي تتطابق مع أهداف تلك القوى "القائدة" و سياساتها , من الحزبين الشيوعيين الرسميين العضوين في تحالف الجبهة مع النظام في سوريا إلى حزب الشعب الفلسطيني الذي يقع إلى اليسار قليلا من أبو عباس إلى الحزب الشيوعي العراقي الذي لا يمكن تمييزه بين القوى التي تقف خارج تحالف القوى و القيادات التقليدية الطائفية متفرجة على ما يجري للبلد إلى القوى اليسارية المغربية التي انخرطت بدور هامشي في الحكومة دون أن تفرض أي برنامج سياسي و لا اجتماعي هام متكامل للتغيير إلى اليسار الديمقراطي اللبناني الذي يمكن اعتباره "الجناح الناطق باليسارية" للتحالف الحاكم اليوم في لبنان برئاسة البرجوازية الكبيرة فالحزب الشيوعي اللبناني الذي يمثل الطرف المقابل لليسار الديمقراطي و الثابت في "إخلاصه" "لمبدأ" معاداة الامبريالية و الذي لذلك يعيد إنتاج سلوكياته التاريخية مع استبدال منظمة التحرير و من بعدها الوجود المخابراتي للنظام السوري بحزب الله..من الثابت أن الجماهير اليوم في حالة تهميش و اضطهاد و استلاب لكن اليسار نفسه ليس مهتما لا بتحفيزها و لا "بقيادة" أو "توجيه" نضالها و لا حتى بتمثيلها سياسيا أو فكريا..يمكن هنا أن نقابل بالتقدير و حتى الاحترام تلك الفصائل التي اختارت أن تغير اسمها و شعاراتها ما دامت غير قادرة على تغيير الطريقة التي تستمر فيها بممارسة يساريتها و لو أن هذه العملية قد توقفت حاليا بشكل مؤسف جدا تحت ضغط قضية "الشرعية" أمام اليسار العالمي بغرض مقاومة انتقال هذه الشرعية إلى فصائل أخرى..ليس القضية فقط في ممارسة التبعية للآخر باسم التحالف معه و هناك تراث نظري ستاليني هائل في تبرير هذه "التحالفات" في سبيل "مواجهة قوى أو احتمالات أسوأ" , بل في هذا الآخر , لقد "تحالف" اليسار مع قوى ليست فقط استبدادية و استغلالية من أنظمة و قوى سياسية و اجتماعية , قوى قامت و تقوم بنهب الجماهير و البلد و بل مع قوى مجرمة أيديها ملطخة بالدماء دماء الناس الفقراء من جهة و معارضيها من جهة أخرى و بارتكاب أشنع الجرائم بحق الناس المهمشين تحديدا و البلد , يمكن فقط أن نستعرض الأنظمة القومية التي دخلت قوى يسارية في تحالفات "مبدئية" معها أو قوى سياسية و اجتماعية استخدمت و تستخدم العنف المنفلت ضد خصومها و شعوبها كجزء من عقيدتها و ممارستها السياسية الأصيلة..ليست هذه دعوة لطهرية اليسار بقدر ما هو تساؤل عن منطق "التحالف" لدرجة الولاء التام مع العدو الطبقي , مع ناهب الشعب و البلد , مع عدو الجماهير المهمشة و المسحوقة..يمكنك بل عليك أن تقبل بالنقائص التي يفرضها الواقع , أي القصور الطبيعي الذاتي و الموضوعي في حركة الجماهير و وعيها , أما التعامل مع القوى التي تمارس قهر و قمع و استغلال الناس فهي أكثر من مجرد خطيئة سياسية إنه نهج أكثر من خاطئ إنه نهج انتهازي اختطف اليسار و يختطفه بعيدا عن الجماهير خلف قيادات نخبوية تشكل بيروقراطية اليسار السياسية المنعزلة عن الواقع و التي تحاول باستماتة الانضمام إلى النخبة البيروقراطية و السياسية الأقرب إلى السلطة السياسية و الاقتصادية و الاجتماعية , هذا إذا كنا نتحدث عن تغيير جذري حقيقي يطال أساسا واقع الناس المهمشين نحو واقع و لو أفضل بدرجة ما..إن ممارسة سياسية كهذه هي أيضا في أحد وجوهها نتيجة للميكافيلية الانتهازية اللينينية التي تستخدم ذات أساليب السياسة البرجوازية بعد أن تقوم بتأميمها , و التي يستمر الماركسيون المتلبرون بممارستها لكنهم ربما يأخذونها هذه المرة من المنبع البرجوازي الأصيل..إن السياسة كما مارسها هذا اليسار و مركزية فكرة التبعية فيها سواء للمركز السوفييتي سابقا و من خلاله لأنظمة و قوى سياسية مارست ما تشاء من قمع و نهب للناس و فيما بعد باتجاه قوى سياسية و اجتماعية مختلفة لكنها جميعا قوى تسلطية معادية للإنسان تحت حجج "الواقعية" السياسية , إن هذا اليسار لا حياة له إلا عبر هذه التحالفات , لأنه لا يرى سوى القوى الفوقية و يتعامل باحتقار تقليدي مع الجماهير , إن تحالفات القصور هذه سواء كانت مع السلطان السياسي أو الاقتصادي أو الاجتماعي و حتى الطائفي و العشائري هي الشكل الوحيد للممارسة السياسية لمثل هذا اليسار بالضرورة سواء التقليدي أو "الديمقراطي" المتلبرل , و من الطبيعي أن يترافق هذا مع ازدراء عفوي للديمقراطية بمعناها الأشمل الذي يتجاوز النخب إلى المجتمع ككل ليجري تهميشها هي أيضا و سحقها و التضحية بها على مذبح ذات "الواقعية" السياسية..ليس في أن الجماهير اليوم لا تقاوم ظروفها المأساوية و مستغليها , بل في أن من يدعي تمثيلها لا يرغب بمقاومة هذه الظروف بل و يدخل في مساومات مخجلة مع مستغليها..من هنا بالذات تنبع الحاجة إلى يسار جديد ثوري بقدر ما هو ديمقراطي......




https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن