- لا تأخذوني إلى بغداد!-

حميد كشكولي
hamidkashkol@yahoo.se

2007 / 10 / 8

للكاتبة الإيرانية ناهيد كبيري
المرأة العاشقة على سواحل المحيط
تهديها إلى زوجها "سيروس إبراهيم زاده"

" لا تأخذوني إلى بغداد" اسم رواية للكاتبة الإيرانية ناهيد كبيري ، صادرة بالفارسية عن دار نشر "ثالث". تبدأ قصة الرواية من أن شخصيات تضطر للانفصال عن بعضها البعض رغم علاقات الحب والعشق التي تربطها. يغادر الرجل في فجر يوم ممطر مظلم بيته الدافئ ، ليهيم في الأرض إلى مصير مجهول. تشيّعه المرأة من وراء النافذة المضببة ، وتراه كيف يخطو مبتعدا عن حياتها.

تنقل الروائية القارئ في روايتها إلى الأجواء التي كانت سائدة في العراق وإيران إثر الحروب و التوتر السياسي في الشرق الأوسط والعالم ، وهي تروي مصائر ناس كانوا ضحايا الحروب والقضايا السياسية. يجري قسم من أحداث الرواية في بغداد ، وقسم منها في إيران، و قسم آخر في سان فرانسيسكو الأمريكية ، محورها قضية حب .
إنها حياة فتاة إيرانية اسمها" سمن" . بعد انفصال الأب عن الأم يهاجر الأب إلى العراق وتضطر سمن إلى السفر معه، فتتزوج طبيبا عراقيا ثريا يكبرها سنّا . بعد هذه التجربة الفاشلة للزواج، و بعد أن تكتشف أن زوجها متزوج من امرأة أخرى أيضا، تهرب إلى أمريكا و تتعرف إلى مصور أمريكي و تتزوج منه في البداية زواج مصلحة يتحول فيما بعد إلى علاقات حب ّ.
ويبدو أن الأمريكي له مشاكل قانونية في أمريكا، و يعيش كابوس الاعتقال، وهو ملاحق من قبل الشرطة الاتحادية الأمريكية ف. بي. آي. و يعيش في خوف دائم من احتمال القبض عليه.
و أملا في النجاة يهرب إلى الحدود المكسيكية، وتضطر سمن أن ترافقه، ما ينقل القارئ إلى أجواء القلق في بيئة أخرى تقع في الطرف الآخر من الحدود. ومن بداية الرواية يشعر القارئ أنه وصل الذروة، إذ يواجه قضايا مصيرية تجري في مد و جزر. إن ّ المرأة التي اسمها في الشرق" ياسمين" واسمها في الغرب " سمن" تمثل امرأة عاشقة بكل ما يعنيه العشق، و هي إنسانة واعية و فنانة وجدية في حياتها العملية من الشرق الأوسط و في العصر الحديث. امرأة من أصول إيرانية ، ترعرعت و كبرت في بغداد، و اهتزت مشاعرها باهتزازات أمواج صوت أم كلثوم، تلك الأمواج التي كانت تنقل توحدها إلى سواحل المحيط الهادئ و مدينة سان فرانسيسكو.
هذه الدنيا كتاب أنت فيه الفكر
هذه الدنيا ليال ٍ أنت فيها القمر....

شخصيات القصة اختيرت من ثقافات ومواطن متنوعة شرقا وغربا ، و مواقع طبقية متفرقة كذلك. ففي العراق نشهد الكلمات العربية و اللهجة العراقية للدكتور كمال الدين بغدادي وزوجته الأولى " دنيا". لغة تقترب من الكوميديا، " انظر طيارات العدو ! طائرات الإيرانيين! " ، و يستمر : " لعنة الله على الظالمين" .
شخصية المرأة الأولى في القصة التي هي ياسمينة ذاتها، رغم إقامتها الطويلة في العراق، لم تنس الفارسية، وكانت تتقنها جيدا، وهي وسيلة تفكيرها. وكانت تسعى إلى تعليم زوجها الأمريكي الفارسية. لكنها حين كانت أناملها تلمس أزرار البيانو ، كانت تعزف موتسارات و بيتهوفن ، وفيروز وعبد الحليم حافظ ، وغيرهم ، وكانت تغني أغاني أم كلثوم.
فلغة ياسمين هي اللغة المشتركة للعالم، وهي لغة لا يلزمها قانون ولا تحدها حدود و لا أعلام. لكن مخاطبات و نقاشات " كريس" بالانجليزية كانت مليئة بالمفردات والاصطلاحات الأمريكية،إلى حد أزعج محادثيه ، وخاصة ، حسب قول الراوية، حين يكون عصبي المزاج، لا يحب استخدام مفردات فارسية، يل يقوم بقذف مفردات ومصطلحات أمريكية بوجه مخاطبيه الإيرانيين ، وليكن ما يكون!

والروائية كبيري تريد إطلاق تيار الوعي من شخصيات قصتها، وأن تلك الكلمات الانجليزية في الرواية لم تعد غريبة عند القراء. وإن سردا بديعا للنص يجعل من مطالعة هذه الرواية شيقة للغاية.
" في نفس المكان حيث كان جالسا ، كان يسمع صوت البحر عبر شوارع عديدة من الجانب الآخر ، كان يسمع موجاته تخوض المطر والرياح وتبلل أحلامه".

المضمون الأساس للرواية يستند على تراجيديا حب اجتماعية، ترتبط بالكلام والكلمات والاضطرابات والتشرد والتناحر العصري في حياتنا ومن هذا الجانب تثير توارد خواطر ذاتية عند القارئ وتداعيات كثيرة.
تتطور أحداث الرواية في صلب قضايا أساسية وأزمات اجتماعية في فترة الحرب وما بعدها والهجرة إلى أقاصي الأرض، و تقحم المسائل الاجتماعية والثقافية للبلدان المضيفة في القضايا التي تنتاب شخصيات الرواية.
إن لكل شخصية من الشخصيات الأساسية في الرواية، نوع خاص ومختلف من الحضور والحركة الزاهية، وتستمر شخصيات أساسية في القصة التي تمضي بدون أن تلعب السياسة والأيديولوجيا دورا ظاهرا، بل خفيا في حياتنا النابضة بمواجهتها العراقيل الاجتماعية ومصيرها المحتوم.
"لا تأخذوني إلى بغداد" من ناحية الشكل الفني الروائي، و تشابكها و امتزاج فصول حياة مختلفة، و عرضها بدون وقفة تقليدية ورائجة في الفن القصصي، عمل خاص ومختلف، وله نكهته المتميزة.
وفي البداية يحتار القارئ لكن بعد مضيه في المطالعة يأخذ مسارا مألوفا وسلسا في التمتع . إن لكبيري أسلوبها الخاص بها في كتابة الشعر و ميولها الخاصة في الاهتمام بالشكل أكثر من المضمون. إنها لسان حال جيلها و ذاتها، وبالنتيجة أن روايتها تنبض بالحياة و الواقعية.

‏05‏/10‏/2007



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن