ذهاب أيلول_ثرثرة

حسين عجيب

2007 / 10 / 4


أيلول شهر انتقالي.
_هل يوجد شهر أو يوم أو حدث,غير انتقالي؟ّ!
من الصعوبة بمكان,إدراك واقع التغيّر والحركة المستمرّة. قوى جبّارة,مصالح وأهواء ومرجعيّات...كلها تعمل ضدّ الرؤية المباشرة, وقبل ذلك هوس السيطرة والتثبيت.
حجب ثقيلة وشديدة الكثافة تشّوش على الحاضر الطريّ والهشّ,تمنع التعبيرات الحيّة,أو تعيقها وتقنّعها, لتتحوّل إلى أشكال مختلفة عن لحظة الانبثاق والتفتّح الحرّ,...مهارة,تكيّف,تهذيب... خدع تتوالى مع الصباح الجديد والشهقة والنفس.
_أيلول شهر زئبقي مثله آذار,على خلاف حزيران وكانون....صرامة وسطوة.
تغمض عين وتفتح أخرى ويكون أيلول قد ذهب,بلا عودة,ربما.
أيلول شهر حزين! لا , هو وهي وهم من يلصقون النعوت من الخارج,مع جريان الزمن يتكدّس النسيان والتواطؤ, ولا يعود بالإمكان رؤية ما حدث ولا معرفته.
.
.
في الماضي كان لي...اليوم المفضّل والشهر المفضّل والأغنية المفضّلة, ويلازمها الأسوأ في الجهة المقابلة.جاء بوذا,رمى قبّعته في وجهي,دون أن يبتسم أو يكشّر, أكمل طريقه بهدوء جليدي,وراح يبتعد خلف الضباب والأسوار.
*
أدخّن بتلذّذ وأشرب القهوة.
بعد أيام من الأرق والنوم المتقطّع, صحوت في حالة غبطة, أخذت قسطا جيدا من الراحة غمرت كياني كلّه. أحلام البارحة هادئة وسلسة.
.
.
أعادتني أحلامي إلى حياتي المبعثرة,لكن بنعومة هذه المرّة,لا صخب لا رغبات نافرة.
*
_الوقت متأخر يا حسين.
• كيف يتأخر الوقت!
أنت نائمة أو مستيقظة, ترغبين في الكلام أو العكس,ولا مشكلة.
...ألسنا صديقين!
.
.
أكثر من الجواب الصارم والاتهامي"ماذا تريد", يفزعني التحديد أكثر:
ماذا تريد مني يا حسين؟
.
.
نصف عقلي تحت سيطرة العرف والعادات المشتركة, أتلعثم, وأشعر بالذنب والخزيّ, بعد ردّ الصديقة ببرود واتهام ضمني.
.
.
أنسى أن لديهم أعمال وواجبات ومواعيد.
*
حاولت مرّة تقسيم الأسبوع مسبقا.
السبت لا تدخين.
الأحد لا كحول.
الاثنين لا خروج من الغرفة.
الثلاثاء لا خبز.
الأربعاء لا لحوم .
الخميس للتأمّل الفارغ, لا كلام لا كتابة لا قراءة.
الجمعة حرية مطلقة,لا قانون لا رقابة.
فشلت التجربة.
_لماذا تبدأها بلا. تحوّلت إلى رقيب صارم على نفسك, وقريبا جلادها.
.
.
نصف عقلي يفكّر ويعمل على النقيض من نصفه الثاني.
*
تشرين الأول, ونكتفي بترتيبه العاشر غالبا....
2|10| 196000.....,آخر ما اذكره الرقم 9 وأما سوابقه 8..7...6 وكأنها أحلام .
على السبّورة يكتب الأستاذ أو عرّيفة الصفّ عفراء,هي بقيت حتى المرحلة الإعدادية سيّدة الصفّ الأولى وبلا منازع, محمد وعاطف وعلي وحسين...مرتبة ثانية.
ثيابنا القذرة, والمخاط على أكمامنا ووجوهنا, أضافت نكهة خاصّة على احتفاليتنا الغريبة بموت تشي غيفارا, عماد جنيدي مع المسيو بابلو...وغيرهم غابوا عن الذاكرة, أساتذة مدرسة عين قيطة الابتدائية,سيحيون ذكرى الثوري الأممي بطريقتهم, وسيلقّننا بعدها مدير المدرسة أقسى دروس الطاعة وأشدّها وضوحا.
حفلة جلد في الساحة,وأمام الجميع,فلق مع صفع وضرب بالعصا كيفما اتّفق.

*
ما الذي يجمع بين ذاك الفتى في ستينات القرن الماضي بهذا الكهل اليوم!
مع الذي يجمع لحظة ومع أي لحظة أخرى, أكثر من المصادفة والاعتباط!
.
.
أحيانا أدرك, الهبة العظيمة, التي تتاح لأحدنا وهو ينتقل بين أطوار العمر المفترض, وكيفما تكون,لكن نصفي الآخر....المتشكّك والمتمرّد والرافض....يفسد مجرى حياتي.
كثيرا ما يتناوبان ....حالة رضا وشغف ومشاركة,يتبعها أو يسبقها,حالة نكد ورغبة في التحطيم, لا مكان معها للقبول ولا للمساومة أو التسويات.
أحدهم سيحطّم الثاني يوما.
النتيجة النهائية والمصير,تقررها امرأة, هذا أكثر ما أعرفه في حياتي.
*
"التعلّق" وأيّا تكن صيغه وأشكاله,دليل انحطاط وتردّي...طريق ملكي إلى البلادة والغباء,طريق المعاناة, ليتكدّس بعدها الغضب الجامد المصمت.
نحن نصنع قيودنا بأيدينا, وليست أقلّ قسوة وفظاعة, مما تراكمه قوى الخارج... القاهرة والغاشمة والعمياء دوما.
الحرية موقف يشمل الكيان والسياق والفضاء.
أن تتفتّح مع الزهرة وتغني مع العصفور...
_ ها أنت تعود إلى الميوعة العاطفية.
لا تحاول
ستبقى معلّقا على هذا الخطّ, إما نسقط وننفجر معا, أو نستمرّ في لعبتنا هذه.
...يجيبني حسين الآخر, الشره للملذّات والمتع...وأدرك مدى عناده.
من بيننا الذي تكلّم للتو, ومن يصغي أو يكترث...
ما عرفته هذا الصباح أن أيلول ذهب, وغدا تشرين وكانون ,وبعد الغد اللاذقية والصبايا والشباب وحتى العدم الخالص سيذهب بدوره ويطويه الإهمال والنسيان.....ويسألونني لماذا تشرب! لماذا تسكر! لماذا تتصل في هذا الوقت المتأخر!
هل يوجد وقت متأخر, وآخر متقدّم, وسواه ملائم...أوه,.....ليتني أعرف وأطمئن.



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن