في التحالفات السياسية ليس هناك توقيت معين (نفر توو ليت)

خالد عيسى طه
tahaet@yahoo.co.uk

2007 / 11 / 10

أنا .. من الذين لايوافقون مع الذين يعيبون على الكورد .. كثرة تحالفاتهم السياسية وتعدد ولاءاتهم .. الظرف هو صاحب الشأن .. فهم شعب محاصر على مدى حكم انظمة قاسية كان لها شعارا واحدا هو قمع الثورة الاستقلالية الكوردية بقيادة بطل النضال الكوردي ملا مصطفى البرزاني رحمه الله .
وهذه الثورة في شمال العراق هي احدى عقدتين نفسيتين كبيرتين للساسة العراقيين القدامى .. والاخرى هي تقع شرق البلاد عند الجارة ايران
فقد استمر الجيش العراقي وعلى مدى ثلاثة عقود وأكثر .. على تدريس ضباط الاركان خطط دفاع وهجوم على الجبهة الشرقية الايرانية .. ولابد ان تكون هذه العقدة نتيجة لكثرة الحروب العثمانية مع الفرس .. وكان العراق دائما هو ضحية هذه الحروب .
يوما .. يكون العراق عثماني الاحتلال سني المذهب .. توقد في هذه الفترة شموع التورع والعبادة على ضريح الامام الاعظم .. ابا حنيفة في الاعظمية .. وفي يوم آخر .. وفي ظل الاحتلال الفارسي .. يكون نفس الامام يرقد في جامع تعمد الفرس المحتلين استعماله كمربط للخيول ( اسطبل ) .

اشقاءنا الكورد تعلموا من هذه القسوة ومن تبدل المناخ السياسي .. دورا اجادوه في سبيل مقاومة حكومة المركز .. الظلم والقمع الذي ترسم صوره في بغداد للقضاء على حالة الصراع في الوجود للشعب الكوردي على ارضه .
المركز .. وجيش المركز .. يزحف بكامل عدته وجنوده وهم خليطا من عرب وأكراد وغيرهم .. لقمع حركة التحرر الكوردية .. والغريب ان القيادة .. وبعضا منها عسكرية .. شغلت من ضباط متميزين اكراد .. مثل مصطفى راغب وعمر علي وغيرهم .. وهم في تاريخ النضال الكوردي .. لهم دورا واضحا في معارك هندرين .. كذلك تعامل المناضل مسعود البرزاني مع وزارة الداخلية ووزيرها الكوردي المرحوم سعيد قزاز .. بكل ذكاء ودهاء .
هذا التسلسل القمعي .. يضم اشجع الكورد وأكثرهم دهاءا .. بلورت حالة فريدة في كوردستان العراق .. اذ انقسم الكورد فيما بينهم الى قسمين .. قسم مع النضال الثوري وأطلق عليه البشمركة وقسم تعاون مع سعيد قزاز والحكومة المركزية .. وأطلق عليه الفرسان .. وأصبح الفرسان مئات الالاف منظمين لدى آغوات اكراد معروفين بألاسم وألعائلة .. يقبضون عنهم ثمن التجييش بسعر محدد عن كل فرد وحسب الرؤوس .. وهم وان قبضوا من الحكومة عن طريق الاغوات .. لكنهم هم بطبيعتهم اكراد يحملون نفس ثورية البرزاني .. ولهم في جيش البرزاني اقارب وأولاد عم وخوال .. تحارب بكل شجاعة حرصا على اهداف الثورة الكوردية .. تحت شعار ( البشمركة ) وهم وان عاشوا في الجبال وحاربوا في مناطق معينة .. الا انهم يحرصون في النزول الى المدن يجوبون شوارع اربيل وألسليمانية .. بأعتبارهم من الفرسان انصار الحكومة .
اذن .. ظرف الاكراد .. جعل منهم شعبا ذو دهاء سياسي فطري .. وهي الثورة التي انتجت قائدا مثل مصطفى البرزاني العشائري الذي يملك ولاءا بلا حدود في منطقته .. فأستعان بمثقفي الاكراد منهم .. جلال الطالباني الذي كان اليد اليمنى للقائد الكوردي قبل الخلاف معه .. لذا وبذكاء مميز ..
استطاعت القيادة السياسية الكوردية .. بما تملك من وضوح رؤيا سياسية وتمسكها بألمصلحة الكوردية قبل كل شيء ان تلجأ الىتحالفات مع المعارضة العراقية بدءا من مؤتمر صلاح الدين ومؤتمر لندن وبقية المؤتمرات .. وكانت هذه التحالفات سببا مهما اضافيا الى قوة الكورد السياسية .
الكورد في تحالفاتهم هذه .. اهملوا اهل السنة .. وهم سنة مذهبيا امامهم ابي حنيفة .. كذلك اهملوا الديمقراطيين وأليسار الديمقراطي رغم ان الشمال الكوردي كان ولازال الحاضنة الرئيسية للديمقراطية الليبرالية .. الم يكن هذا الشمال ملاذا للشيوعيين وقت طغيان صدام حسين ..؟ الم يكن هذا الشمال بنظر قادة اليسار .. مثل عزيز شريف وتوفيق منير وعبد الفتاح ابراهيم وغيرهم .. على قناعة ان الديمقراطية ان تهيأ لها الزحف الى بغداد فستكون نقطة انطلاقها من الشمال الى الجنوب .. لتقضي على نظام فاشي ظالم عاش وتربع على سلطة ظالمة خمسة وثلاثون سنة . . ولكن تبقى مصلحة الكورد وتحصيل الحكم الفيدرالي كخطوة اولى للاستقلال .. هي راية عالية ترفرف على عقول القيادة الكوردية .. ولعلم الاكراد بأن السور الذي بناه صدام حسين عاليا بألتعاون مع القومية العربية والانظمة المجاورة .. لابد ان تأت تحالفات تستطيع بها القيادة الكوردية خرق هذا السور العالي .. وما اتعس تاريخ الظلم العربي ( الحكومة ) للشعب الكوردي .. تبرز في معركة الانفال وهدم خمسة الاف قرية كوردية وتسويتها بالارض مع نقل ساكنيها الى مناطق اخرى .. ناهيك عن بشاعة استعمال الكيمياوي في حلبجة .
وصل التاريخ السياسي العراقي وتاريخ مسيرة الاكراد نحو تحقيق اهدافهم بألفيدرالية وضم مدينة كركوك اليها .. ان حصلت في ظل تحالفاتهم الانتخابات الاخيرة وجاء 148 يمثلون قائمة الائتلاف الموحد ( الشيعة ) .
وجاء حوالي سبعون نائبا كورديا وأربعون آخرون من قائمة الدكتور اياد علاوي رئيس الوزراء .. علما ان مجموع المقاعد في قبة البرلمان هي 275
مقعدا . . هذه الانتخابات انتجت حالة النصر الغير الكامل لاي فئة من المتصارعين .. فلا قائمة الشيعة الموحدة تستطيع الحصول على قرارا تتخذه اكثرية المجلس ولا الكورد ايضا.. لذا يتوجب اجراء تحالفات جديدة .
ان الشعب العراقي اخذ يسلط الاضواء على ما انتجته هذه الانتخابات المرسومة بألخارج وتوقيتها كان بقوة النفوذ الاجنبي والديني .. رغم اعتراض اكثرية التيارات السياسية على التوقيت وليس على مبدأ الانتخاب بأستثناء الائتلاف الشيعي في القائمة الموحدة .. هذا الاستثناء جاء بطروحات جديدة منها :
جعل الشريعة الاسلامية المصدر الوحيد للدستور الدائم المرتقب . . والاخذ بهذا الطرح بمبدأ ولاية الفقيه الغائب ..! مثله مثل نظام الملالي في ايران .
ومنها .. شعار الغاء قانون الاحوال الشخصية .. الذي رسم وشرع في عهد الزعيم عبد الكريم قاسم .. وهو قانون منصف .. لاتتعارض نصوصه مع الاسلام او الشريعة الاسلامية .. بعد ان حذفت مادة تساوي المرأة وألرجل في الارث .
ومنها .. شعار على العراق ان يدفع مائة الف مليون دولار الى ايران .. كما جاء على لسان السيد عبد العزيز الحكيم .. نتيجة حرب الثمانية سنوات التي اشعلها صدام حسين دون ارادة الشعب العراقي .
هذه الشعارات .. التي تصطدم ليس فقط مع اهل السنة .. بل تصطدم مع التيار اليساري العلماني وألليبرالي .. وهم برأيي .. الاكثرية الصامتة .
وأنا لست من القانعين بنتائج الانتخابات .. التي كان لصورة آية الله العظمى علي السيستاني .. اثرها الكبير جدا في كسب الاصوات المؤمنة بقضية الحسين وأستشهاده على مذبح الحرية وألعقيدة .. مع هذا التيار .. وجدت الكثرة الصامتة ان هناك مبالغة متعمدة في اظهار مشاعر الحزن في عاشوراه .. ورجوع نظام السبايات وألتشبيه ووجود الشمر ( اليزيد ) في المسيرات الدينية العاشورية في مختلف مدن الجنوب وخاصة في كربلاء وألنجف .. دفعت الغيارى على مصلحة العراق ومنهم الشعب الكوردي الاصيل .. ان يصحو ليرى الوضع عن قرب ويتدارس ماذا يجب ان يعمل .
نحن لانريد ان ننحاز لاحد .. ولكننا مع شعار وجوب تحديد الاحتلال بمدة .. وهذا شعار حيوي مركزي .. يجب على الجميع بما فيهم القائمة الموحدة والاكراد .. ان تتبنى فكرة طرد الاحتلال الغازي للبلد .. ولم يخطئوا اهل السنة ان تمسكوا بهذا الشعار وطلبوا تأجيل الانتخابات .. وجرت رغم كل هذه الظروف ورغم حالة عدم الاستقرار .. وحصل ماحصل ووصل من وصل الى قبة البرلمان . . بأصوات تملكتها روح المحبة وألاجلال للمرجعية الشيعية .. وكأنهم انتخبوا السيد علي السيستاني .. وليس احدا غيره .. ولاءا له وخوفا من عاقبة العصيان لارادته .

ان القيادة السياسية الكوردية ليست بقيادة غبية .. بل على العكس .. هي قيادة ذكية .. اذ انهم فتحوا الباب لمن يريد التحالف معهم .. عليه ان يقدم لهم مايريدون في تحقيق طموحات الشعب الكوردي .. من فيدرالية بسعتها وكركوك بنفطها .. حتى يكونوا مع من يدخل معهم حليفا .. جبهة برلمانية تملك اكثرية اصدار القرار .. غير مكترثين بأحتجاج الاتراك على مايحدث .. وتركيا دولة اطلسية تملك قوى ضاربة يحسب لها الف حساب .. ثم ان اللبوة ( زوجة الاسد الخائنة ) الامريكية هي في غرام دائم مع النظلم التركي لضمان مصالحها الاستراتيجية الكبرى .. وهي التي تساعد وتدعم انتماء تركيا الى الاتحاد الاوروبي .. واذا حصل هذا .. برأيي .. فان خارطة الشرق الاوسط تتغير .. وينتقل النفوذ من الامريكان الى الاوروبيين .. اذ ان العراق سيصبح بأمتداد جباله وأنهاره جزءا من الوحدة الاوروبية .. والاتحاد الاوروبي لايشجع اي اتجاه لتقسيم العراق .. فلا يكون هناك فيدراليات ولا يكون طوائف شمالا او جنوبا .
كذلك القيادة السياسية الكوردية .. اهملت ( وهي ذكية ) كونها جزيرة في بحر عربي متلاطم يستطيع بأمواجه السياسية ونفوذه .. التأثير على الاكثرية العربية بألعراق .. تغيير الموازين .. فألعرب غير الديمقراطيين لازالوا يحلمون بقومية عربية تحت شعار .. من المحيط الى الخليج .. ومن بغدان الى ططوان .
اين نحن من هذا البحر .. خاصة اذا لم تستطع القيادة الكوردية من خلق وعيا سياسيا يبعد فكرة الانفصال على الاقل في مثل هذه الظروف الحرجة .. اذ ان كل من يفكر بناء نظام او شكل نظام بدعم من جيش محتل فهو واهم جدا .. فالاحتلال له زمن .. وينته .. ولابد للجيش ان يرحل .. ولكن طموح الشعوب ووجوب تفهم التعايش السلمي هو الباقي .. بقاء الوجود الانساني . . هذا وغيره .. يتزامن مع مد مصلحي سني .. وان ترك الساحة السياسية وألزعل على بيدر حبوب الحنطة وألمشاركة .. لاتخدم العراق بل تضر هذه الفئة بأطيافها الكثيرة .. فأنهم ان تمسكوا بشعار طرد الاحتلال .
فعليهم ان يدعو الى تحاور سياسي مع الكل .. وخاصة مع القيادة السياسية الكوردية في مؤتمر يتدارسون .. كيف يمنعون التهميش السياسي عن اهل السنة .. والذي يكرس بعنف من قبل فئة اخرى .. وهذه الفئة الاخرى تحاول ان تربط بين المقاومة الوطنية الشريفة الغير مسلحة .. وبين ارهاب الزرقاوي .. رغم كل ماتصرح به كتلة اهل السنة .. وهذا سيؤدي الى معادلة سياسية وطنية خاصة اذا رمى الزعيم مسعود البرزاني بثقله السياسي وثقل حزبه ( الحزب الوطني الديمقراطي الكوردستاني ) في هذا المؤتمر وأنشأ تحالفا جديدا يوازن فيه بين طموحات الكورد المعقولة وبين رجوع اهل السنة الى مضمار القرار السياسي وكتابة الدستور الجديد .. مثل هذا التحالف .. يجب ان لايهمل طائفة ولا يهمٌش فئة .. وهو يؤمن بألديمقراطية الواقعية لا بألديمقراطية المذهبية .. وعند ذاك .. سيعدل الميزان .. وتكون الاطراف جميعا متساوية بالقدر الممكن في صياغة دستور دائم جديد .. هو درب وطريق العراق لخمسون سنة قادمة .
والى هذا المستقبل .. والى الدستور الدائم المرتقب .. ترنو عيون الغيارى الوطنيين .. من سنة وشيعة وتركمان وأكراد ويزيدية ومسيحيين .. وكل الاطياف .. الذين وقفوا بكل جرأة ضد مبدأ المحاصصة الطائفية ..
وسيستمرون في هذا الرفض .

واذا كانت الطائفية عيب مستورد لنا لم نألفه .. علينا التخلص منه كما يتخلص الجسم الصحيح من السرطان المخيف .
ولنترك الزعيم مسعود وألايام .. ليتعامل بحكمة مع وضع العراق الحالي الذي لايبشر بخير .











https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن