ظاهرة القاعدة

ساطع راجي
sataragi@yahoo.com

2007 / 9 / 25

كثيرة هي العقائد التي تبدو في مطلق الصواب بالنسبة لمعتنقيها، وبالمثل هناك الكثير من القضايا التي يعتقد اصحابها واتباعهم بعدالتها، الا ان تحول اي عقيدة او قضية الى تنظيم يتطلب امكانيات هائلة في مجالات التسليح والتعبئة والتنظيم والدعاية والعلاقات العامة والخاصة، فما بالك بتنظيم بحجم وانتشار وقوة القاعدة.
ان بشاعة الاعمال التي يرتكبها هذا التنظيم وقسوتها وتطرف افكاره يجب ان لاتمنعنا من النظر اليه نظرة موضوعية متجردة بإعتباره ظاهرة سياسية فريدة من نوعها فرضت نفسها على الواقع الدولي طوال نهاية القرن الماضي وبدايات القرن الحالي، وما زالت القاعدة تحافظ على زخمها وقوتها على مستوى العالم بطريقة تدفع الى اعتبارها نمطا متفقا مع التاريخ، حيث تشكل وجها آخر للعولمة، انه عولمة الارهاب الذي يستفيد من احدث التقنيات العلمية المتوفرة سواء في الاتصال او الدعاية والاعلام او في التنقل والادارة المالية، بل انه يستفيد حتى من مبادئ النظم الليبرالية الغربية التي يناصبها العداء سواء في تأسيس بعض الواجهات المؤسسية التي يتستر ورائها التنظيم او في الدفاع عن اعضائه عندما يتعرضون للمطاردة والاعتقال، الا ان رفضه الفكري لوجود هذه الادوات التي يستخدمها في النموذج الاجتماعي الذي يدعو اليه (الذي تجسد في افغانستان ايام طاليبان) يدفع الى الحيرة.
لا تمتلك القاعدة سرا فكريا فهي تعتمد على منظومة عقائدية متداولة وتبنتها تنظيمات عدة، قبل تشكل القاعدة وبعده، الا ان سر القاعدة الاكبر يتمثل في قدرتها التنظيمية، فهي منتشرة في مختلف قارات العالم، وتمتلك اموالا هائلة ويستطيع افرادها التحرك بسهولة بين البلدان والقارات رغم ان لمعظمهم ملفات في مؤسسات مكافحة الارهاب في مختلف دول العالم، اما الحديث عن شعبية القاعدة فهو محظ هراء، ذلك ان القاعدة فشلت في تكوين سلوكيات عامة حتى في المجتمعات التي نما في تربتها الفكر المتطرف، والخطأ الذي يقع فيه الكثيرون هو الخلط بين مظاهر التدين التي تسود في معظم بلدان المنطقة وتأييد الفكر المتطرف.
منذ امد بعيد ظهرت في منطقة الشرق الاوسط علاقة غريبة تجمع التنظيمات الممنوعة بالاجهزة الامنية والاستخبارية لدول المنطقة وكذلك دول العالم الاخرى وبالاخص القوى الكبرى، علاقة اشبه ما تكون بالزنا، حيث ترتبط المنظمات الممنوعة والاجهزة الرسمية بحالة من التخادم المتبادل تسهل لكل طرف تحقيق بعض النتائج التي تساعده على البقاء والمحافظة على الامتيازات التي يحظى بها، وقد ساعد على استمرار هذه الحالة البيئة السياسية المشوهة التي تسيطر على مجتمعات الشرق الاوسط، حيث تصبت قنوات مختلفة في نفس المجرى الضيق، فأي نشاط سياسي لأي فرد او جماعة سيكون حتما ضمن مسؤوليات الاجهزة الامنية بسبب انعدام الديمقراطية وعليه يكون الاعتقال مصيرا طبيعيا لكثير من الناشطين السياسيين، وساد اعتقاد في بعض الفترات داخل مجتمعات الشرق الاوسط، يرى ان من يدخل الى المعتقلات اما ان يمكث طويلا فيها او يموت قتلا تحت التعذيب او بالاعدام، اما من يخرج بسرعة فهو حتما تحول الى عميل لهذه الاجهزة، من جهة اخرى هناك العلاقة المرتبكة للدول الكبرى بمجتمعات الشرق الاوسط بطريقة تؤدي الى وجود سياق مكتوم يربط السفارات الاجنبية ببعض الشخصيات والجماعات، كل هذا دفع الى انضاج بيئة سياسية مريضة طرأ عليها تدخل آخر هو المال، ومن كل هذا الركام ظهرت التنظيمات المتطرفة وفي مقدمتها القاعدة.
على مدى سنوات كان قادة التطرف يعيشون ويتنقلون بكل حرية في العواصم والمدن الغربية والعربية، وسنحتاج الى جهد كبير للتخلص من العقل المؤمراتي لفهم هذه العلاقة المعقدة، او ربما نغير مفهوم المؤامرة نفسه، لكننا سنواجه نتيجة واحدة، ان هناك علاقة بين القاعدة والعديد من الاجهزة الرسمية لدول عربية وغربية، واذا كان هذا الاستنتاج موجودا على نطاق واسع في التداول الشفاهي فأنه بحاجة الى ان يدخل صلب الدرس السياسي.
سيحتاج الامر الى عقود من السنين والى جهود مضنية لكشف خارطة التخادم التي ساعدت القاعدة على الظهور كمنظمة عالمية قوية وثرية، تخفت في مكان لتظهر في آخر ثم تعاود الظهور في المكان الذي سبق ان غادرته، محولة العالم بأجمعه الى سلسلة من الكهوف المتنافذة كما هو الحال في تورا بورا او شبكة المعلوماتية فلا فرق بين الاثنين.



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن