رؤية الهلال ومسألة علمنة الدين

محمد باليزيد

2007 / 9 / 19

إجابة على سؤال "هل تجوز رؤية الهلال بالأقمار الاصطناعية ؟" أجاب بعض علماء الأزهر أن لا.
إننا هنا بصدد مسألة جوهرية تتعلق بمدى قابلية عقلنا كمسلمين, وليس قابلية الإسلام, للتعامل مع العلم. إن هذا الجواب من طرف علماء الأزهر لَيدل بكل وضوح أننا رغم ادعائنا بأن الإسلام دين علم وأنه دين ودنيا وأنه دين كل عصر ... إلى ما هنالك من الشعارات, هذا الجواب يدل بوضوح على أن كل ذلك ليس سوى شعارات جوفاء نغلف بها ذواتنا ونوهم أنفسنا, قبل أن نوهم الآخر الذي لا يهمه من وهمنا شيء, بأننا قادرون على استيعاب الحداثة ومسايرة التكنولوجيا.

إن هذا المقال لا يدعي الدقة العلمية بقدر ما هو دعوة إلى الاعتماد على العلم في شؤوننا الدنيوية وحتى الدينية أحيانا وعدم ترك أمورنا مجالا لفتوى أناس يدعون"العلم" وهم ليسوا سوى فقهاء, في أحسن الأحوال, في الدين لا يجب أن نعتمد عليهم في مجالات أخرى كالطب أو الفلك مثلا.
إن قسطا قليلا من الاجتهاد في هذه المسألة يعطي الجواب الشافي.
كان الأصل في هذه المسألة هو الحديث النبوي الشريف "من رأى, شهد, منكم الشهر فليصمه." وهذا الحديث لا يتضمن بشكل صريح وسيلة للرؤية. لكن من المعروف أنه حتى في عهد النبي لم تكن المسألة فردية. أي أنه لم يكن يصوم أو يفطر فقط عشرة أو مئة شخص الذين رأوا الهلال بأم أعينهم وإنما يكتفي الناس برؤية فرد أو أفراد من ذوي الثقة. إذن ليس مقصود الحديث هو "من رأى بأم عينيه وإنما "من وثق بأن هناك هلال من خلال شخص يثق فيه فليصم." ولنفترض أن شخصا ضعيف البصر وموثوق به وذا دين لكنه عالج ضعفه بنظارات رأى الهلال. هل سنعتمد رؤيته أم سنرفضها بحجة أنه رأى بجهاز؟ أعتقد أن رفضها لن يدل سوى على حماقة. ثم أنه, في المغرب على الأقل, موظفو وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية المكلفون بمراقبة الهلال يستعملون المنظار في ذلك. فهل يفقد هذا من جوهر الأمر شيئا؟ إن المنظار هو مجرد أداة تساعد الإنسان على وضوح الرؤية وتقلل من فعل الغبار أو الضباب مثلا. كما أن دوره في تقريب الصورة, تكبيرها, لا يحَوِّل الهلال من مكان لا نستطيع رؤيته فيه إلى مكان نستطيع رؤيته فيه. وإنما هو جهاز يساعدنا على رؤية الهلال إن هو كان موجودا فعلا في المكان الذي نستطيع رؤيته فيه. إن عدم استعمال المنظار يمكن أن يؤدي بنا إلى خلل إذ يمكن أن نعتبر الهلال غر موجود وفي اليوم الموالي نكتشف أنه كان موجودا لكن وجود ضباب أو غيره حال دون رؤيته.
يوضح لنا الشكل أسفله أنه نظرا لحركة كل من الأرض حول نفسها وحول الشمس وحركة القمر حول الأرض, أن تركيبة هذه الحركات ينتج عنها ما يلي:
_إن وجود القمر والشمس معا داخل زاوية أقل من Bmin يجعل رؤية القمر بالعين مستحيلة نظرا لأن أشعة الشمس تكون باتجاه العين ولأن وجه القمر المتجه نحونا يكون مضاء فقط بالأشعة المنعكسة من الأرض وغلافها الجوي.
_عند الغروب مباشرة, أي حين تكون الشمس تحت الخط 1800, إذا كان القمر داخل مجال الزاوية A فإنه نظرا لما سلف ذكره لا يمكن رؤيته بالعين.
_ينتج عن تركيبة الحركات المذكورة وسرعتها أن القمر لا يستطيع أن يكون خارج مجال الزاوية A في اليوم التاسع والعشرين دائما وإنما يصل خارج هذا المجال مرة في تسعة وعشرين يوما ومرة في ثلاثين يوما. وهذا ما ينتج عنه أن الشهر القمري أحيانا ينتهي بتسعة وعشرين يوما (الشك) وأحيانا يصل الثلاثين(الكمال).
نظرا لكل هذا نستطيع أن نقول أن أية وسيلة تمكننا من التأكد من أن القمر(الهلال)) متواجد فعلا في المجال الذي يمكننا رؤيته فيه مستحبة, بل واجبة كي لا نقع في الخطإ إن لم نستعملها. من هذا المنظور لا فرق إذن بين النظارات والمنظار وحتى القمر الاصطناعي.
إن طرح السؤال "هل تجوز مراقبة الهلال بالقمر الاصطناعي؟" هو من قبيل الأسئلة التي الغرض من طرحها هو توجيه فكرنا وجهدنا وجهة خاطئة أصلا والتي تقف حجر عثرة أمام كل تقدم للمجتمع. والسؤال الحقيقي الذي يجب أن نطرح هو: "هل نحن فعلا في حاجة إلى مراقبة الهلال سواء بالمنظار أم بالأقمار الاصطناعية؟"
نظرا لكل ما تقدم نستطيع أن نقول أنه لا ضرورة لانتظار التاسع والعشرين من كل شهر كي نعرف هل سيكمل الشهر الثلاثين أم لا؟ فحين حط الأمريكان على سطح القمر في أواخر الستينات من القرن الماضي لم يكن من الممكن لهم أن يفعلوا ذلك لو كانوا مضطرين لانتظار التاسع والعشرين من كل شهر كي يعرفوا في أي موقع من الفضاء الشاسع سيتواجد القمر. لقد تطورت العلوم الآن إلى درجة أن ذوي الاختصاص باستطاعتهم أن يزودوننا بالحسابات الدقيقة لمعرفة أي من الشهور القمرية سيكمل الثلاثين وأيها لن يفعل. ليس لمدة سنة فقط وإنما لمدة عقود أو حتى قرون.
إن الإصرار على الإبقاء على مسألة الشك هو إصرار على تكريس عقلية لا تراعي الزمن واعتباره شيئا اعتباطا لا قيمة له وهو كذلك إصرار على الحفاظ على شكليات وجزئيات في الدين من شأن مسها مس مصالح فئات مرتبطة بالدين التقليدي ولا يشكل التجديد فيها أي خطر على جوهر الدين. كما أن الإصرار على الإبقاء على التقويم القمري, خارج المسائل الدينية, هو إصرار على الارتباط بزمن غير مضبوط وأن التعامل مع التقويمين, القمري والشمسي, بحساسية دينية نظرا لتسميتهما بالميلادي والهجري تعامل غير عقلاني. وكون العرب لم يكتشفوا التقويم الشمسي لا يعني أنه عليهم تجاهله فالاكتشافات العلمية ذات طابع إنساني.




https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن