.....هوامش أولى.....

سمير الشريف

2007 / 9 / 16


يا للرياح التي فصلتنا مائة عام أو يزيد!!
يا لانجذاب الروح وانشداه الجسد وارتباك القلب الذي ضج ،بعد أن ظن ألا لقاء.
هل أصوّر لكَ صوت دقات القلب الذي ارفضّ عندما لمح الاسم؟
أيقظت فرحتي ، منحت عيني ّفرصة السباحة في أعماق دمعة، أتحت لأجنحة القلب أن تطير في ظلال لحظات مضت، أغرقتني بفرحة عرضها اتساع العمر،كم أشعر بالوحدة بعيدا عن بهاءك،كم أنا فقيرة للاتصال بك.
بعدك لا أحد ،رغم كثرة الوجوه التي تنسيني كل الملامح سواك.
أصبحت وجها للمقارنة،أنت الكل في واحد والجزء في المجموع .
وجودك منحني لذة اكتشاف تفاصيل الأشياء ومنح الأشياء أبعادها ، دونك ، تتقلقل في الصدر الأسئلة وفي الرأس أوجاعها،تهرب الطمأنينة من يقين القلب،بك بساقط الآخر من الذاكرة ويضيق الفؤاد إلا إليك.بك تسترد الروح شهقتها والعين بصرها والدم نبضه.
قل لي : متى تصبح الأحلام بعض أقدارنا ؟ ولماذا لا تفيض بغير الكلام ؟هل الكتابة وسيلة الهروب من عجزنا؟ لماذا كل هذا الاحتراق؟
لو لم نفقد أحبابنا،هل يظلون في حيز الإحساس فينا ؟هل لو احتويناهم سنظل أوفياء لحبهم،هل سيعيش تعاطفنا معهم لو أتاحت الظروف الاقتراب منهم أكثر؟
لماذا طعم الحب الأول أصدق؟هل لأنه ضاع منا قبل أن نشبع منه فظل طعمه عالقا في أفواهنا ؟
في أي زمن يجب أن نبقى؟ما هي المشاعر التي علينا أن نزاولها لكي نحتفظ بإنسانيتنا ؟ ما الذي يحدث عندما تنظرني وأنظرك؟
أعمارنا مضبوطة على آخر شهقة عبرت فؤادينا ، فهل يكفي العمر لاسترداد لحظة فرح ؟ لماذا يظل شعور الفرح قصير مهما طال؟ لماذا نحسب أعمارنا من لحظات الوخز على شغاف الوجد ونعيش في إحساسات خاصة في زمن خاص مهما كان عرض اللحظة قصيرا؟لماذا نقف بتقديس أمام لحظات نقايضها بفضاء العمر؟
روحي صحراء،فهل تستطيع زراعتها بعشبك وتشرع نافذتك لغربتي ؟
لماذا يتفتح وعينا بعد أن تنكسر في دواخلنا أشياؤنا الجميلة؟ما الذي تفعله بنا الأمكنة ولماذا مرورك على مكان يثير فيك الشجن؟
تتلبسني التفاصيل فمن يأخذني منها ؟
فراغ يجتاحني ،سأم يفرش أغطيته على مسامات الروح، متغلغلا في دواخلها.
يا سيد الغياب..خيوطك تنسلّ مني مخلّفة وجعا يلتف حول ذاكرة مشرعة على فضاءات وجد يمور بالحنين.
أتصدق أنني حاولت اغتيالك مرارا والانقلاب عليك،كثيرا ما حدث ذلك، لكنني في نهاية كل محاولة ، أصحو على صوتك يأخذني ،والملامح التي أغمض عند تذكرها ، ترتسم فيما حولي من أماكن ،أصحو عليك تحتويني واللحظة تفيض برذاذ عطر يفوح بالأركان .
ما الذي يعترينا عند لقاء لعبت بحيثياته الصدف؟
كرّت في ومضة قلب كل التفاصيل التي غادرتْ وظننت ألا رجوع....وقفتُ عارية راجفة خجلى.
ما الذي حمّل الروح شفافيتها والجسد بهاءه والدماغ سطوته؟
كيف عادت تلك التفاصيل و رجفة الصدر وذاك الارتباك المزرق ّعلى الشفتين؟
دوما تعيّرني و تقول...
لن أقولها ،قلها أنت في سرك،وارفع حاجبيك عجبا من تلك التي لا زالت تحتفظ بقلب طفلة .
إنه جذل الروح راقصة على أنغام وعد لم يُضرب، وفرحة لقاء ما كان يتم ،ولكنها أسلاك تربطنا بهذا العالم الواسع،فياله من اختراع عظيم قرّب المسافات وحال دون التلصص على خربشات العاشقين .
لك أن تتصور مساحة فرحي ، أنا التي تزوجني الحزن ووقّعت معه عقد التزام.
مجرد تصفح عينيّ لحروف اسمك ، تلاشى الغضب، وخف الوزن وتباعدت الخطوات، أصبحت وجوه الناس مشرقة بالبهجة.
غيابك فاتحة حزن طال، حاول الجميع أن يعرفوا سببه ،حتى أمي الأقرب، نهضتْ غاضبة بعد جولاتها اليائسة ، أما المسكين ، فقد توارى بعد أن ظن أن مرضا أصابني.
لا تفسد نشوتي بالسؤال،ولا تحاول إخراجي من هذا الفيض الملائكي الذي يحملني على غيمة من حنين.
ما الذي فعلته بي ،وما الذي يحدثه فيّ حضورك!! لو تقابلنا ماذا تكون النتيجة ؟
مشهود ذاك اليوم ، لم تُعد الاتصال ،لم تطرح رأيا ولم تعط تفسيرا، تحرقني نار التخمين ،أستحضرك بالتفاصيل التي تعودتها ،جلسة المقهى ،سحائب السجائر وأحلام مسافرة تلملم أشتات الوعد .
اشتياقات تتجدد بالأمل ، جمعتُ حتى الغائب من تفاصيلك ،اعتصرتها ،لملمتها نتفا مع قصاصاتك التي تنضح فلسفة ،جمعت الأضداد على نفس الطاولة التي تعاطينا حولها الأمنيات ، طيفك غمامة تهطل وجدا .
هل استحضرتني أم انشغلت بمن أسمعتهن فلسفاتك المعهودة ؟
ليلة رأس السنة ،حضر من تعرف ،حاولوا قضاء ساعة انسلاخ العام ، جالبين ما تحتاجه المناسبة ، أمسكوا شرودي غير المبرر،سألوا بأعينهم، لم تجبهم غير الدموع التي كابرتُ في إخفائها، رصدت لحظات الاحتفال، أكتب تفاصيل ما جرى ، يجرحني الغياب ، ويقيّد خطواتي الفقد .
كل حرف كان من نزف الروح،فهل ما زلت تحتفظ بتلك الذكرى !!
لا تفرّط بما سيحكي قصة القلب الذي ضاع على أرصفة التمني ! لا تتركني لألم الفقد.
المغرضون أظهروا تشفيهم،قالوا :جبان لم يقو على مواجهة الموقف ، ومتردد لا يستطيع اتخاذ قرار،تذرّع بالسفر وضحّى بقلبه في سبيل الدرهم .
ربطتُ خطواتي بعتبة مكتب البريد، بعد أن أدمنت سجائرك، صار موظف البريد يصفعني باسما ، برده
:- " لا رسائل جديدة".
نقّبت عن كل ما يشحنني بذكراك،استنفدت حتى كتبك التي زوّدتني بها، لم أقرأها من جديد،اكتفيت بهوامش قلمك الرصاص ، لقيتك ،تحدثت معك وتبادلت معك الآراء.
حالة نادرة ، أجدني فيها القي القبض على ملامحك ،أتملى تفاصيلها ،حتى خلجات صوتك ، تمارينك التي أردتني القيام بها ، عند إحساسي بالضيق، وجدتني أمارسها ، انصياعا لشيء غريب فيك .
بلا وعي أدلف الأماكن التي تعودناها، مدفوعة بشعور غامض.
جلست على نفس الطاولة في بهو الفندق ، وحيدة،نظر اليّ من حولي بعيون تكحلها الدهشة، ماذا تفعل لوحدها ؟
يزداد الاستغراب عندما الملم نفسي مغادرة ، بعد أن أدخن سيجارة وارتشف فنجان قهوة ،أجرجر قدميّ بلا رغبة في المغادرة،خلافا لحالة النشوة التي صحبت حضوري .
لماذا تلح تلك الليلة ، وقد جهزتُ نفسي للقاء طويل .
أرسلت رسالة عندما سألتني ماذا تفعلين أجبتك: " آخذ دشا دافئا"، لم تلتقط الإشارة ، ربما فهمتها وطنّشت آثرتَ أن تجلس قبالتي ، لم يُغرك البنطال الأسود! هل اعتبرته فأل سوء ،فلم تقترب؟
عندما أحضر الشراب امتنعتَ، أخفتَ مني عليّ ؟
أسئلة عالقة، تحتاج إجابات مسهبة ، فأين أنت ، ومتى تعود؟
أعدك ، لن أمارس حماقتي ، فقد تعلمت الدرس .
هل بقيت على غيرتك أم أن الأخريات هذّبن فيك ذاك المرض؟ هل ترفع حاجبيك دهشة؟ أتريد أن تعرف السبب؟
ذهبت لصديقك الذي يعرف قصتنا،تعاطف ، مظهرا شفقته، كرهت منه التقرب بنكتة ساذجة، لم اُعلّق ،طعنتُُهُ بنظرة احتقار وغادرتُ .
أفهم الرسالة ولم يعاود الاتصال!!
غمزتْ لي أختي الكبرى ، أمسكتْ بيدي ونحّتني بعيدا ، ضحكتْ قبل أن تشير لدولاب ملابسي، سألتها بيدي، ففزعتْ لدفتر سميك وجَدَتهُ بين أشيائي ،فيه بعضك،أعجبها الاسم،اشتقّتْ منه الكثير ،استوقفتها صورك بين طلاب الجامعة، و اللباس العسكري، قرصتّ وجنتي معلقة : أهذا الذي يكتب لك كلاما لا أفهمه ، وضحك عليك بكلامه الغامض ؟ العمر يهرب وأنت تنتظرين الوهم!لو كان حيا لأرسل خبرا .
كم تَغيرنْا...أم كلثوم التي حرضتني على سماعها،صرتُ أستفتح بها نهاري ولا أنام إلا على صوتها،تركتُ نجاة وتعلقت بثورة الشك ، ،غبطت من يتعلمون الموسيقى!
أعود لصور أوراقي التي بعثتها ، أحقد على نفسي ، أخلو إليّ ساعات أغلق فيها البال على وحدتي، يأكلني الغيظ على قسوة ضمنتها بعض رسائلي، و كلمات رقراقة تنساب كما النسيم في بعضها الآخر، تفرحني كلمة أناجيك بها ، وأحزن للّهجة العنيدة المكابرة .
أعاقب ذاتي بعضّ الإصبع التي خطّتْ تلك الترهات ! هل تستغرب ؟ مجنونة كما وصفتني !!
صارعتُ الظروف ، صمدتُ أمام العاصفة، أقنعت مَن حولي بالدراسة،أوشكت على التخرج ، سأحصل قريبا على الشهادة!!
تحذيرك يصطخب في أذنيّ : ...تذكري ...نحتاج لشهادات تفخر بنا ، لا أوراقا نفخر بها.
أيها الهارب في أبجديات التفاصيل، ينتحر العمر على أبواب المستحيل، يتجرع سموم الأمنيات ، ماذا أبقيت لي في جرار الوهم ، ولماذا ابتعدت ؟
ألم تلحظ أنني ما خرجت عن ذاتيتي في الحديث؟ لا تقل إنها الأنانية ، بل ابتعادا عن مدن تقول غير ما تخفي وتمارس في ليلها ما تخجل منه في نهاراتها ،مدن الصمت والرضى بالحال،تجتر صباحاتها وتحيا على قلق ، تقرأ في عوالمها متناقضات تخفيها مساحيقها اللامعة وأرصفتها الصقيلة ، يشدُّ الذهول قسمات ساكنيها وتضيع الملامح التي لا تترجم معانيها، طناجر ضغط هذه المدن ، تمر السنوات على ناسها نسخا ،وتتوالد صحافتها بعناوين مكرورة.
قميئة بلاك، أعيد النظر في ماضينا،أستذكر إلحاحك في التعاطي مع الجسد حد السادية، والانفعال حد التشنج ، والبكاء حتى الانهيار.
هل كان ذلك مجرد أبجديات لإعلان اللهو أم ممارسات ننسى بها غربتنا ؟
جاريت تطرفك كسبا لرضاك ، وصولا لجواب على سؤال يتقلقل داخلي .
ندور مع الأيام أملا في نسيان إيقاعها ، إيقاظا لوعي يتلاشى أو يغيب.
مرارا حاولت الإندغام ، أكونك وأتمثلك، فتهزمني ذاتي، وتعلن نصرها على ضعفي ، فألوذ بكبرياء كاذبة ، ويحتدم القلب والعقل .
ما زرعته فيّ لم يغادرني ، ظل ساكنا ، رغم تساؤلاتي الملحاحة .
أتنفسك وجدا وأستمنيك سعادة ورضا .
ما الذي يدفعني للإقبال على انتظار مستقبل مجهول ودخول أمواج اتهامات، وبين إدارة الظهر وتجاهل نداءات واعدة بزوج مضمون الجيب ، معروف الاسم ، خطير الرتبة .
قال بعضهن إن ظله يكفي لأكون زوجة،تنعم بالجاه وحسد القريبات،ما السر فيك، هل هو الركض خلف غير المتاح أم رفض المبذول ؟ لماذا نهرب ممن يسعون لنا ؟ أي لعبة وجودية نتعاطى دون أن نمسك أسبابها ؟
جذوة القلب تهب عليها الريح فمن يشعلها!
من يعيد للجسد الذي حرثت تفاصيله توازنه؟من يمشّط بلهاثه مناطقه النائية.
من يطري رائحة النعناع البري التي يكوّنها ؟
من يمتص رحيق اللسان الذي عقدته الدهشة ضعفا أمام أميتي في إستكناه الرعشة ، و الوقار الكاذب !
تماديت في مهزلة البحث عنّا في أصوات الآخرين، أدمنت السهر واختيار أرقام عشوائية للهاتف أتسلى بها ،علّ صوتا يكون قريبا ،صادفت الكثير ولم أجدك،نبرة رخيمة دافئة.
تقبّل البعض اعتذاري عن الاتصال الخاطئ واهتبلها البعض فرصة لرمي شباك اللطف.
قسوة تعاطيك عاطفة وجسدا ونقاشات، انعكست دونما تخطيط مسبق على من حولي،أصبحوا يشيرون لتغيري تجاههم وتجاه ذاتي.
أفرّ من المواجهة مُظهرة انزعاجي وغضبي على فتح نقاشات عقيمة ،بت على قناعة أنني أريدك امتلاكا يوازي الغياب،أحلم بقبضتك تهزني كما قوة صوتك ، بقرارك الحازم يأخذني أمام الجميع .
حملني التفكير بعيدا ،ربطت الأحلام بواحد ناء يكون ليلة زفافنا، ما أحسست لحظة أن شيئا قهرني،لكن قلاعي هدمها الغياب ورايتي رفعتُها لمضاء قسوتك.
هل القسوة هي التي حددت اختياري لكثير من تفاصيل العمر؟ هل هي التي دفعتني لاختيار رسالتي عن (همنجواي) الذي حملت ُمأساة شيخه؟ كنتَ قبل أن تكشف الوثائق ، تقف طويلا أمام مقولة انتحاره ولا تسلّم جريا وراء الصغار ممن لا يتعمقون النصوص.
يأسرني فيك الوعي وعدم التسليم ،كنت تقول: أغبياء من يروّجون انتحار همنجواي، الانتحار سلاح المهزومين.
صوفيتك التي تتقاطع مع العقلانية والشهوانية ، سبب آخر يضاف لجنوني فيك، إندغامك بالوجود متصالحا مع أبجديات الكون التي ما أوجدها الرب إلا لسعادة المخلوق الذي فشل في ترتيب الأولويات.
تؤكد أن رحلة العمر محطة للتزود، لم تستقبل الموت كارثة بل فرحا،تصرّ أن الموت ليس فناء بل انتقال، أتراك لهذا لا تؤمن بالحب لأنه يعيقنا عن السعي لفرح أكبر؟
أسقطت ُمن حسابات العمر فرص الربح ، أصبحتْ نظرتي لأقنعة الأشخاص بلا معنى، لم يعد يعنيني الزيف والذوات المشظّاة.
نظرات الغزل التي ابحث عنها ،وأتلهف على سماعها، ما عاد لوقعها اثر في أذنيّ ، أصبحت أتعمق ما حولي بلا تعليق،أختزن ما يعجبني، حروفك فقط ما ظل يقربني منك. أسافر إليك في عناوين المجلات التي قرأناها ، أصبح الصمت فلسفة ألوذ بها من تفاهات تحيطني، موات يُقرأ على الخطى الواهنة وفي الرؤوس المدلاة والنظرات الساهمة، قوة لا أدرك كنهها تدفعني للبحث عنك!!
ديوان الشعر الأحب لديك،صرت أحمله ، أفتح صفحاته على القصيدة التي لا أطالعها، أمعن النظر في حروفها وفواصلها، يمر بي كثيرون، يرمقني من يلاحظ بحلقتي في الصفحات طويلا دون تقليبها، أتلذذ بالجلوس على المقعد إياه،أتخيلني أرفع ذيل فستاني محققة رغبتك في الإمعان برمانتي قدميّ،أفكر،ماذا يجد اللعين فيهما من متعة!تلح ّ، أراقب نظراتك تسبح في بحر اللذة ، وتسقط في القلب قطرة فرح .
أجبني ما الذي يتراءى لك وأنت تمارس طقسك ؟
هل تترك الجواب لذكائي كعادتك ؟
عرسان كثر هرّبتهم أمي اليّ باتفاقات ظاهرها الصدفة،أدركت اللعبة وانسقت في تفاصيلها جريا وراء حدس البحث عنك في آخرين خرجوا من المقارنة خاسرين، ولو وجدتك ،فان القلب يرفض مجرد المقارنة،رغم مسوغات العقل للرضى بالأمر الواقع وتقبل النتيجة بروح رياضية .
لعب أخي على حبل التشويه ،قال لأمي ((مشكوك في وطنيته،علامات استفهام تلف مسيرته،تاريخه ملوّث وإدانات كثيرة تتجه نحوه، سجنه محض اتفاق لتلميعه حتى يوقع بالرفاق ، مكوثه في السجن ضربٌ لعصفورين، ،لماذا تعرّض للاغتيال ونجا بأعجوبة وتوارى عن الأنظار ؟
أكتبك باحتراقي وتقرأني بانطفائك!
تصيبني وخزة ارتباك ،ينخرني الكلام عنك، صحوة مفاجئة تبرق في الوجدان ،أعض على جمر السؤال ،أحبس في داخلي بركان شك، أنفض الأفكار وأعود واثقة، استعيد مقولاتك العظيمة :صغار اللصوص يدخلون السجن ، وكبارهم يدخلون التاريخ.
قرأت " آنا كارنينا" ، تمعنت في مفرداتها ،استوقفتني كل الخطوط التي وضعْتها بالأحمر تحت الكلمات، لكنني لم أستوعب مضمون رسالتك ،هل كنتُ تلميذة كسلى أم أن المعلم لم ....؟
هل عانى تولستوي حتى كتب روايته أم أن صديقا عايش تجربته فلخصها له؟
لماذا أستشعرك بإحساس فنانة وشفافية مراهقة وعمق امرأة مجربة؟ لماذا يغلي فيّ بركان عندما أربط ذكراك بقطتنا في شباط وصخب مطره وعنف الرياح فيه ؟
وسّطت المعارف بحثا عن عمل... لم يعجبني تناقض الحال ، بصقتُ بوجه المدير الذي مدّ بسمته العريضة تمهيدا لعلاقة ظنها ميسورة، انتفضت بوجهه، سألتْ عيناه بغباء فاضح ، تمتمت " يا عاصمة الجوع : قطيع يعريه البذخ وقطعان ينخرها الفقر ، شوارع لا يمكن النظر فيها لامرأة ، وأخرى تساوم فيها النساء بلا عدد، أي أقنعة تلبسين ؟
صفقت الباب ، تهت في بحث جديد،توسط من يطمع في وصل بعيد ، معتمدا على خربشات القيها على مسامع معارفي، وبعض قراءات قربتني من أجواء المثقفين.قال : ما رأيكِ ببرنامج للأسرة ؟طارت بي الأحلام،قلت أحدثني:على الأقل يسمعني بعض الذين راهنوا على فشلي ، وقد تسمعني أنت!!وتحرق نفسك ندما على تفريطك، سيصبح صوتي بؤرة ، ترتجف حولها القلوب،مشكلتي أنني أجيد كلاما يدمّرني ، ويجعل الآخرين يفهمونني خطأً ، ضاع صوتي ، أصابته البحة والاختناق ،في وسط يعمل للأسرة وجميع العاملات فيه مطلقات .
هل فقدت احترام نفسي عندما لم أجد وظيفة أحقق بها ذاتي، أم لعدم قناعتي بمن حولي من رجال ؟.
تقتحمني قشعريرة وأنا أنظر لواحدة تلقم ثديها فم طفلها ، لماذا ينتابني هذا الإحساس، أهو الجسد الذي نهيل عليه تراب العيب أم السعي لتحقيق أمنية دفينة؟ أية لذة أقرأها في عينيّ من تمنح صدرها لطفل؟ ليتني أجرّب هذا الإحساس!!
عادت المخيلة لأيام مراهقات التغيير .
اللسان جاهز للرد والمقارعة من قبل أن يصفعني الطبيب بقوله : "قلبك ضعيف"
المفروض أن أستوعب المسألة ،لكنّ هوس قلب العالم غطّى على كل إحساس بالضعف، المفارقة: جرأتي وخوفي القاتل من رؤية مجرد صرصار، تذكرت هذا لحظة أن حاول أحد الرفاق أن يكون قريبا بقبلة، لم اصح يومها إلا على صفعات كفه تضرب وجهي، إيقاظا من غيبوبة مفاجأة، ودمعات فرّت من العين والقلب معا .
راودتني فكرة اللقاء ، في النوم واليقظة،لم تسعني الفرحة عندما ألمحت بإمكان تحقق الحلم،فكرتُ فيّ، ،تساءلتُُ: هل تراه يعرف التفاصيل التي ضلت طريقها لذاكرته؟هل غيّرتني الأيام حتى لا يعرفني، أم أن بوصلة القلب ستقوده إليّ ؟
راهنت على الفضاء المركون في قاع الروح ،صحيح أنني حاولت استحضار التفاصيل،لكن تلميحاتك بطقم الأسنان والصلع،أضاعت بهائك ، وخالجني خوف ألا يدلني قلبي عليك.
استحضرتك بالكاكي والبدلة الكحلية، ،، تهت في تفاصيل لحظات سرقناها معا ، وكلمات هربتْها ملغومة في سطورك،رأيتنا في الحلم ،هل هي المراهقة المتأخرة ؟
عشت ما لم أجرؤ على مجرد الإشارة له في الواقع، هل مررت بنفس الحالة ؟
وهل ما زلت بشوق للتحديق برمانتيّ ، متمتما وأنت تغرس سهام نظراتك في ظهري ؟
أعرف أن لديك الجرأة لتعبّر عن مشاعرك، وأنك كنت تراهن على عدم رفضي لمجاراتك، لكنني أدرك عمق فلسفتك عندما كنت تقرأ استجداء الرغبة في عينيّ ولا تطاوعني موضحا : عميق سر الإنسان ، بالتقاء جسدين ، يتلاشى وهج الاحتراق وتنطفئ جذوة الوله، وندخل دورة الابتذال؟ أعرفت لماذا اهرب؟
أقتنع ، مضطرة لمجاراتك.
تقلبت ... هجرني النوم... الملفت أن اللقاء جاء باردا، عاديا ودون القلق الذي تهيأت له .
لم تهزني رعشة الانتظار، لم يشتعل في جوانحي حريق اللهفة.
لا تراوغ،فهذا ما أمسكت به على شفتيك المرتبكتين. لماذا انطفأت شموع الفرح في قلبينا ؟حسرة خثّرها القلب ودموعا طفرت بها العينان وقهرا تنامى في الدم.
أدركت فداحة ضياع الأمنيات ، أنَّ في داخلي صمت ، طاردني إحساس قاتل بالذنب .
كابرت ، وتجلّدت ،فهل تريد أكثر من هذا ضحكا على ألذات ؟
استنجدت بك عندما يبس الحلق،أحضرت ما أطفأ عطشي ، قفزت متعثرا بفرحك.
استعدت جلستنا المسائية على شرفة الفندق المطل على عاصمة الفقر واختبائي عن العيون بنظارتي ، و النادل الذي قرأ على وجهينا سبب عزلتنا ، ويده الممتدة بالفاتورة بما يعادل نصف راتبنا،وارتباكك الذي أمسكت به عندما طافت على ملامحك موجات الضيق،وقهرك الذي لم تترجمه الكلمات.
لذت بصمت ، سمعت أنّات دمعك، تهنا في ممارسة طقس نتحرق له : طفلتك أنا
،أبي أنت،
أمك أنا
ولدي أنت.
طافت بي رؤى بعيدة،أرسلتَ زفرة اعتراض ثائر
: - لماذا يدفعنا الواقع للعيش بقناعين ؟

---------------------------------------------------

لقد تم ترجمة هذا النص للغة الإيطالية بقلم الأستاذة الأديبة والمترجمة أسماء غريب
تجدون الترجمة على هذا الرابط

http://asmagherib.blogspot.com/2006...mi-margini.html[/



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن