هل هناك حداثة اجتماعية سعودية؟

شاكر النابلسي

2007 / 9 / 10

يظن بعضنا خطأً أن تطبيقات الحداثة الاجتماعية، يمكن أن تكون قائمة من الفروض، تأتي من خلال أنظمة وقوانين وتشريعات، فتتم الحداثة. ويظن آخرون أن الحداثة عبارة عن وصفة طبية غربية، يأخذها الناس ويذهبون بها إلى الصيدلية الحداثية لشراء دوائها، وبعد شهر أو شهرين يتعافون من التخلف والجهل، ويواكبون العالم في تقدمه وازدهاره. ويرى آخرون أن الحداثة عبارة عن بيانات، وشعارات، ومقالات، ونداءات، وندوات، ومحاضرات، تقولها النُخب هنا وهناك، وتبشِّر بها، وتسعى لتطبيقها، دون أية اعتبارات تاريخية، أو اجتماعية، أو ثقافية.
ونسي معظم الباحثين في الحداثة، والمطالبين بها، والهاتفين لها، أن الحداثة - كما قال عزيز العظمة – "عملية تاريخية موضوعية معقدة في سياق عالمي". وأنها عملية تتم تدريجياً، وببطء شديد، كعملية نضوج الفاكهة فوق الشجر.

المرأة بارومتر الحداثة الاجتماعية

للغرب والشرق الحق في قياس الحداثة الاجتماعية في السعودية ببارومتر المرأة. ولكن الشرق والغرب في قياسه هذا، ينسى عدة حقائق تاريخية، وثقافية، واجتماعية، أحاطت بتموضع المرأة في المجتمع السعودي.
لقد قلنا في مقالات سابقة، أن المزيد من نجاحات المرأة في شتى ميادين الحياة السعودية، واكتسابها المزيد من المواقع المهمة في سوق العمل السعودي، لن يتأتى من خلال حزمة من الأنظمة الرسمية، تعطي المرأة السعودية ما لا تستحق، ولكن من خلال إعطاء المرأة السعودية ما تستحقه من فرص العمل والمناصب الاجتماعية، نتيجة لما تحققه هي نفسها من تعلّم ومعرفة، تفرضها هي نفسها فرضاً معرفياً على المجتمع، بمختلف قطاعاته.
فتاريخ المرأة السعودية الحقيقي لم يبدأ في عام 1962 بحزمة من الأنظمة التي تفتح أبواب العمل للمرأة السعودية، بقدر ما بدأ بالطريق التي يجب على المرأة السعودية أن تسلكه لكي تصل إلى فتح أبواب العمل أمامها، كما نشاهد الآن في "السعودية الجديدة"
فتاريخ المرأة السعودية الحقيقي، بدأ يوم أن فتح الملك فيصل بن عبد العزيز الطريق الواسع أمام تعليم المرأة السعودية في العام 1962، وأنشأ مدارس تعليم البنات، رغم المعارضة العنيفة من رجال الدين المتشددين، الذين كانوا يخشون على المرأة من التعليم. وهم الذين كانوا يعلمون تمام العلم، بأن الطريق الوحيد لتحقيق طموحات المرأة في الحياة الأفضل، هو العلم والتعليم.
إذن، فلقد اختارت المرأة السعودية التي أصبحت الآن في أعلى المراكز التعليمية، والتربوية، والصحية، والاجتماعية، والاقتصادية، والثقافية، طريق العلم والتعليم للتقدم، والتي تؤشر إلى مدى الحداثة الاجتماعية المرصودة، التي تحققت للمرأة السعودية، خلال نصف القرن الماضي. في حين أن مفتاح حرية المرأة الغربية وإعطائها حقوقها المشروعة، كان المشاركة في الحروب، سواء في الحرب العالمية الأولى، أو الحرب العالمية الثانية على وجه الخصوص. مما يعني هنا أن للحرية ثمنها، وإن اختلف نوع هذا الثمن من بلد لآخر، ومن حقبة زمنية لأخرى. ولكن هناك ثمن يجب دفعه لنيل الحرية، حيث لا حرية مجانية توهب وهبةً، أو تُمنح منحةً.

مؤشرات الحداثة الاجتماعية
لا أريد أن ألوم أحداً في الشرق أو في الغرب على ربطه مؤشرات الحداثة الاجتماعية في "السعودية الجديدة" بالسماح للمرأة السعودية بسياقة السيارة، أو بتركها للحجاب أو النقاب، أو باختلاطها بالذكور في مراحل التعليم المختلفة وبالعمل. فكل هذا مرتبط بالحالة الاجتماعية والحالة التاريخية والثقافية للمرأة السعودية ذات الخصوصية المتفردة. فهي لم تولد ولادة اجتماعية حقيقية إلا بعد عام 1962 عندما فتحت أمامها المدارس لتتعلم. وبذا اعتُبر الملك فيصل بن عبد العزيز، الأب الفعلي والتاريخي للمرأة السعودية الذي واجه مشروعه الحداثي الاجتماعي (تعليم المرأة) الأمواج العالية والعاتية من الغضب والتشدد الاجتماعي والديني، ولكنه أصرَّ على مشروعه بشجاعة وإيمان عميق بمستقبل المرأة السعودية، الذي بدأت فواكهه تهلُّ علينا الآن، حين ارتقت سيدة سعودية (د. ناهد طاهر) منصب مدير بنك كبير، وارتقت أخرى (د. الأميرة الجوهرة آل سعود) منصب مدير جامعة مهمة، وتولت أخرى رئاسة مجلس إدارة كلية علمية (د. الأميرة لولوه الفيصل)، وأصبحت شهرة روائية سعودية شابة (رجاء الصانع) تطبّق الآفاق، وأصبحت مجموعة من النسوة مشاركات في القرار الاقتصادي السعودي من خلال عضويتهن في الغرفة التجارية بجده، ونبغت سيدات سعوديات في مجال الطب والعلوم والاجتماع.. الخ.
وكل هذا تم خلال خمسة وأربعين عاماً فقط (1962-2007) من بدء المشروع الحداثي الاجتماعي الفيصلي السعودي. وبذا سبق هذا المشروع – زمنياً- مشاريع التحديث الاجتماعي للمرأة الغربية بشكل عام، وإن اختلفت أوجه التحديث. فالتحديث النسوي للمرأة السعودية، بدأ بالتحديث الاجتماعي عن طريق العلم والتعلّم، وأصبح المؤشر الكبير في هذا المجال، بينما كان التحديث النسوي للمرأة الغربية ينطلق من الاجتماع وينتهي بالسياسة. ثم أصبحت المشاركة السياسية – انطلاقاً من الفلسفة السياسية الغربية عموماً – هي المؤشر الأكبر للحداثة النسوية الغربية، وهو ما يحاول بعض الباحثين الغربيين تطبيقه على المرأة العربية والسعودية خاصة، دون أية اعتبار للتاريخ والثقافة والتراث المختلف والمغاير، علماً بأنه سبق لمارجريت تاتشر رئيسة الوزراء البريطانية أن قالت: "إذا أردنا السياسة فسوف نسأل الرجال، وإذا أردنا أي شيء آخر في الدنيا، فسوف نسأل النساء". وهي اشارة واضحة من أنثى سياسية مشهورة إلى فشلها في السياسة، وإلى أن السياسة التي عين المرأة الغربية دائماً عليها، والتي هي عنوان حداثتها المطلقة، هي للرجال، ولا تصلح لها، وباقي أمور الحياة للنساء. ورغم هذا فما زالت المرأة الغربية والشرقية تسعى إلى سدة رئاسة السياسة (سيغولين رويال الفرنسية، وهيلاري كلينتون الأمريكية، وبنازير بوتو الباكستانية وغيرهن) ولا نعلم ماذا تريد المرأة أن تحصد من هذا المستنقع. لقد صدق سيجموند فرويد حين قال: "هناك سؤال لم استطع الإجابة عنه، ولم أجد أحداً استطاع الإجابة عنه، وهو : ماذا تريد المرأة؟"
المرأة بين الشرق والغرب

لا أحد ينكر أن المرأة السعودية الجبارة (ونقول الجبارة لأنها كانت بمثابة "البلدوزر" الذي شق طريقه بقوة وسط الجبال الشاهقات الراسخات) قد حفرت بالصخر القاصي جداً وبأظافرها، لكي تصل إلى ما وصلت إليه في هذه المدة القصيرة من الزمن، قياساً للمدة الزمنية التي قضتها المرأة الغربية لكي تظفر ببعض حقوقها، بعد أن دفعت الثمن غالياً، ومن دمها، لمشاركتها الفعلية في الحروب الأوروبية في القرن العشرين. فعندما سُدت السهول في وجه نهر النساء السعوديات المتدفق، أخذ هذا النهر يتدفق بين الجبال والشعاب العسيرة، ناشراً طميه وخيره، على نحو ما نرى الآن.
هنا المرأة السعودية وصلت إلى ما وصلت إليه الآن، خلال خمسة وأربعين عاماً فقط، في حين أن المرأة الفرنسية لم تنل حقوقها إلا بعد 155 سنة من الثورة الفرنسية عام 1789. ففي عام 1944 فقط، نالت المرأة الفرنسية بعض حقوقها ومن ضمنها حق الانتخاب، بعد أن حاربت بضراوة في صفوف المقاومة الفرنسية ضد الاحتلال النازي. ورغم هذا، فإن نسبة تمثيل المرأة في الجمعية الوطنية الفرنسية (البرلمان) لا تتعدى 14.7 في المائة، وذلك بعد مضي قرن ونصف القرن على الثورة الفرنسية. وما زالت المرأة الفرنسية حتى الآن لا تتساوى مع الرجل. فهي تتقاضى أجراً أقل من أجر الرجل بنسبة 20 بالمائة، كما ذكرت الدراسة التي أجرتها مؤسسة "إيسبوس". في حين أن المرأة السعودية تتساوى في الأجر مع الرجل في القطاعين العام والخاص. واعترفت جيرمان واتين نائبة رئيسة الجمعية الوطنية الفرنسية للتضامن "أن أمر النسوية الفرنسية، يتطلب عملاً ضخماً على مستوى تغيير الذهنية والثقافة السائدة في المجتمع الفرنسي، فنحن نعاني تأخراً كبيراً على صعيد تحقيق المساواة بين الجنسين".
أما المرأة الأمريكية فقد نالت حق الانتخاب، بعد مضي 141 سنة من إعلان الاستقلال عام 1779
وأما في ألمانيا، وبعد قفزات التحرر النسوية وخروج المرأة الألمانية بكثرة متزايدة إلى العمل أثناء وبعد الحرب العالمية الثانية، بدأت خطوات معاكسة إلى الآن لعودة المرأة إلى بيتها، كما دعت إيتا هيرمان الشخصية الألمانية البارزة في كتاب صدر لها. ولم تتمتع المرأة الألمانية بحقوقها المالية بعيداً عن سلطة زوجها، الا فى منتصف القرن العشرين عندما تدخلت المحكمة الدستورية الألمانية، وحررتها من سيطرة الزوج على أموالها وممتلكاتها. في حين لم يكن للزوج سلطة على مال وممتلكات الزوجة السعودية منذ زمن طويل.
وبعد، فإذا رغبت المرأة السعودية في مزيد من الحقوق والحداثة الاجتماعية، فعليها ألا تنتظر قرارات، فهي صاحبة القرار. وما عليها إلا العمل ومزيد من العمل الإبداعي الخلاق في مجال التعليم، لزيادة عدد المتعلمات، وعدم الهروب من مهنة التعليم إلى مهن أخرى أقل جهداً، وأكثر دخلاً مالياً. وذلك هو التحدي الكبير.



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن