رسالة عتاب من مواطن فلسطيني إلى الشيخ يوسف القرضاوي

أحمد زكارنه
ahmadzeko1971@hotmail.com

2007 / 7 / 31

مقدمة الكاتب :
بعد ما حدث في محافظات غزة من إراقة للدم الفلسطيني وإزهاق للأرواح البريئة ، وذهاب البعض منا بعيدا في تبرير أو إدانة ما حدث ولا يزال يحدث من جرائم في حق الإنسان والقضية والأرض ، بات المشهد ملتبسا إلى حد الإشتباه ما بين الحق والباطل، فالمنقلبون يصرون على أن الحق إلى جانبهم وهم على باطل، والمُنقلَب عليهم يصرون أيضا على أن طعنة الأخ أشد ألما وقسوة من طعنة العدو ، متمسكون بأنهم الواقفون على الخط الفاصل ما بين مرجعيتهم الدينية وتوجهاتهم السياسية، وهم لم يستطيعوا يوما منذ إنشاء السلطة أن يحسموا أمرهم هنا أو هناك ، فباتت صورتهم أشبه ما تكون باللوحة السيريالية متداخلة الالوان والخطوط لا مرجعية لها ولا سياسة.
ولما كان الوضع كذلك كان لتدخل الاطراف الوطنية والدينية الاخرى أهمية ملحة لفك الالتباس.. فكان من أبرز تلك التدخلات ما صدر من الشيخ الجليل يوسف القرضاوي الذي صدم الجميع بانحيازه لصالح طرف ضد أخر ، ما دفع الساحة الفلسطينية والعربية إلى التعقيد أكثر مما هي عليه، خاصة وأن شيخنا الجليل قد غُرِر به فانحاز إلى ما حرم الله وهو من خطَّ بفكره النير رسالة الاسلام الوسطية في سلسلة مؤلفات منها " الصحوة الإسلامية بين الجحود والتطرف" وغيرها من المراجع المعتمده عربيا واسلاميا.
فكان لازما على كل صاحب رأي فض غشاء البكارة عن هلامية المواقف المصبوغة بالصبغة الدينية ليس لمطارحتها وإنما لمناقشتها ، ولكن البعض ونحن منهم فضل التريث إلى أن تهدأ العاصفة ولو إلى حد ما ، إلى أن عثرت ذات ليل وانا أسبح في فضاءات الشبكة العنكوباتية على رسالة عتاب موجهة من شخص عرّف عن نفسه باسم " مواطن فلسطيني" إلى الشيخ الجليل يوسف القرضاوي ، يبدو أن صاحبها لم يعلم أين يرسلها فوضعها إما عمدا أو خطأ في تعليق على أحد الاخبار السياسية .
الرسالة ومنذ اللحظة الأولى أخذت تجذبني من سطر إلى سطر حتى أخر حروفها التى عايشت تفاصيل المشهد فاصابت كبد الحقيقة، فارتأينا أنه من واجبنا نقلها كما هي دون أي تدخل في النص، لعلها على بساطتها تكون أبلغ من أي كلمات منمقة حتى وإن كانت شعرا ، فكما يقول الشاعر:
يا أعدل الناس إلا في معاملتي ... فيم الخصام وأنت الخصم والحكم
واليكم سماحة اليشخ رسالة ذلك المواطن الباحث عن وطن يلتقى فيه والأمن والامان بما سمح به قرأننا الكريم ، ونحن على يقين برحابة صدركم.

نص الرسالة:
رسالة عتاب الى الشيخ يوسف القرضاوي
كنت من المتابعين لمؤتمركم ايها الشيخ الجليل وانا من المؤيدين جدا لفكرك الوسطي الذي يعكس صورة الاسلام السليمة ، فلست مع الغلو والتطرف ولست مع السفور والانحلال وهذه والله هي الصورة الحقيقية للاسلام وما احوجنا الى امثالك هذه الايام ولكن لي عتب عليك يا شيخنا الجليل وقبل ان ابدا عتابي لك اقول انني عربي مسلم فلسطيني افتخر بانني مرابط في ارض الاسراء والمعراج الارض التي بارك الله فيها ومن حولها الارض التي فرشت بجماجم الشهداء وجبلت بدماء طاهرة زكية من ايام الصحابة حتى اليوم، ففلسطين هي اكبر من فتح ومن حماس هي الاغلى وهي الاعز على قلبي . لقد قرات ايها الشيخ الجليل الدكتور يوسف القرضاوي دعوتك الى الوقوف الى جانب حماس، وان صح ما نقل على لسانك فان الامر يحتمل امرين: اما انك يا شيخنا اخطأت في التقدير او انه غرر بك من قبل بعضهم وانا اميل الى الامر الثاني لانني اعرف مواقفك المتوازنة لقد فهمت من قولك هذا، وفهم كل ابناء شعبنا انك تقف مع جهة ضد جهة واتمنى ان يكون فهمنا مغلوطا ، فهمنا انك تؤيد الاعمال الاجرامية التي تمارس في غزة والتي فاقت في بشاعتها ما قام به الاحتلال ولا اريد ان اذكرك ياشيخنا فانت اكثر العارفين بان كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه ولا اريد ان اذكرك بان تهدم الكعبة حجرا حجرا اهون عند الله من اراقة دم مسلم ولا اريد ان اذكرك يا شيخنا عقوبة من يكفر مسلم وهنا لا بد من ان اذكرك ايضا بذلك الحوار الذي دار بين احد الصحابة ورسول الله وان كنت مصيبا هو اسامة بن زيد حب رسول الله وان كنت مخطئا فصححني يا سيدي ، عندما روى اسامة للرسول انه قتل احد المشركين في احدى المعارك بعد ان نطق بالشهادتين فغضب الرسول منه غضبا شديدا وقال له هل شققت عن قلبه ، اتقتله وقد نطق بالشهادتين ويقول اسامة واصفا هذا الموقف لقد كان اصعب موقف منذ ولدتني امي .
شيخنا الجليل: ان الانسان مكرم عند الله عز وجل وهو المستخلف على هذه الارض فلا يجوز الاعتداء على انسانيته وحريته مهما كان السبب... انظر شيخنا الجليل الى قدوتنا محمد بن عبدالله عليه افضل الصلاة والتسليم عندما فرح فرحا كبيرا برجوع جعفر بن ابي طالب ومعه المسلمين من الحبشة لقد كان فرح الرسول اكبر من فرحته بفتح خيبر الذي صادف مع رجوع جعفر ، فكان الانسان اهم من فتح خيبر.
شيخنا الجليل : هل سمعت او شاهدت او قرات او قال لك احدهم ما يحصل في بلادنا ، هل قالوا لك اولئك الافاقين المدافعين عن الجرائم ، هل قالوا لك انهم مثلوا بالجثث وسحلوها في الشوارع هل قالوا لك انهم القوا الناس من اسطح الابراج ، هل شاهدت يوما رجل يعتبر نفسه قدوة المسلمين يعذب اخاه بالسياط والشبح ، هل رايت اناس يعذبون بعضهم بدق المسامير بالارجل ، هل قالوا لك انهم يقتحمون البيوت ويضربون النساء ويروعون الاطفال ويفتشون عن السلاح الذي يقاوم الاحتلال تحت حجج واهية ، هل قال لك احدهم عن التصاريح الخاصة التي يصدرها بعض رموزهم للناس لكي يستطيعوا التجول تماما كما كان يفعل الاحتلال ، هل شاهدت على شاشات التلفاز صور الابرياء عراة وهم يتلذذون على المنظر كما فعل الاحتلال في اريحا ، هل سمعت ان حفلات الزواج تداهم وتهاجم وتتحول الافرح الى اتراح ويعتقل العريس الذي يمضي ليلته في الزنازين بدلا من المبيت عند زوجته والتهمة الغناء لفصيل اخر او اطلاق الرصاص الذي هو من سيمة اعراسنا واعراسهم ، هل رايت سوى الاحتلال ينزل الاعلام عن سطوح المنازل .
شيخنا القرضاوي : لم تتوقف الاساءات للاحياء بل امتدت لتنال الاموات ، هل سمعت انهم اقتحموا بيت امير الشهداء المسجى جثمانه هناك في الشام ودنسوا حرمته وسرقوا مسدسه الذي اطلقت منه الرصاصات على مغتاليه ، هل رايتهم وهم يدسون على صورة قائد ثورتنا ياسر عرفات الذي استشهد وهو يقول على القدس رايحين شهداء بالملايين، هل شاهدتهم وهم يدمرون الصروح التذكارية ، صرح الجندي المجهول والنصب التذكارية في خانيونس وغزة للاستشادين وانت من ذهب الى اخر الدنيا للتوسط لدى القاعدة بعدم هدم تمثال بوذا ، هل بوذا باطهر واقدس من شهدائنا ؟؟.
شيخنا الجليل : هل سمعت احدهم وهو يصدح على شاشة الفضائية الخاصة به ويقول انها حرب بين الاسلام والردة ؟ ، هل تابعت هذه المحطة الكاذبة المحرضة على القتل واباحة كل ما حرم الله من خلال فتاوى على الهواء،هل رايت صور الجرحى الذين قطعت ارجلهم من هؤلاء يا شيخنا ، من للمئات التي قتلت بدم بارد ، هل شاهدت صور المعذبين في زنازينهم " التي عذب البعض منهم فيها كما يدعون" وهذا مستنكر ايضا لكنهم مالبثوا ان مارسوا نفس السلوك واشد ،اظن ان مواقع الانترنت تتسابق في نشر هذه الصور واذا لم تشاهدها انا على استعداد ان ارسلها اليك ، كل اصناف القهر والاذلال والتعذيب تمارس هناك في غزة ولم يبقي شيخنا الا حفر الخنادق واشعال النار فيها والقاء كل من هو ليس معه كما فعل اصحاب الاخدود . سيدي انها مناظر تقشعر لها الابدان ويندى لها الجبين انه عار واي عار لحق بنا امام العالم ، لقد دخلت السجن عند الاحتلال عدة مرات ولم اشاهد هذه الصنوف من التعذيب سيدي القرضاوي : قال زعيمهم الذي يتخذ من دمشق مقرا له ان هناك اخطاء في بعض الجزيئيات حدثت ، هل قتل المسلم جزيئية هل احراق ونهب المؤسسات جزيئية هل بيع الاثاث والمكاتب والاجهزة الكهربائية التي هي ملك للشعب جزيئية هل قتل الاطفال "اطفال بعلوشة" جزيئية هل وهل كل ما ذكر سابقا جزئية سيدي : انا اقسم انه لو كانت هذه الاخطاء عفوية وفردية لسكتنا وقلنا ان ما حصل لا بد ان يحصل في أي اقتتال، فلا بد من ضحايا هنا وهناك ولكن الامر غير ذلك انه فكر ومنهج يدرس في الحلقات ولا اقصد حلقات الذكر بل حلقات زرع الحقد والكراهية في نفوس الشباب حتى ربوا جيل حاقد على كل شئ يستسهل القتل لان هناك فتوى شرعية بذلك وللاسف تستغل المساجد لذلك ، يروى سيدي عن الامام الشافعي انه جاءه نفر من المسلمين يشكون له اختلاف المسلمين على عدد ركعات صلاة التراويح فقال اغلقوا المسجد لان وحدة المسلمين اهم من صلاة التراويح فالجامع له رسالة سامية في توحيد المسلمين وليس نشر السموم من خلالها فبدلا من تسخير انفسنا في خدمة الدين وظفنا الدين لخدمة اهدافنا الضيقة ولا بد انك تسمع بالائمة الذين يوزعون صكوك الغفران يمينا وشمالا ويشجعون على القتل فاصبحت سلوكاتهم فكرا ونهج حياة واليك الدليل يا سيدي ، عام 1981 حصلت مشكلة في جامعة النجاح في نابلس بين فتح والكتلة الاسلامية فاقدمت الكتلة على القاء احد الطلاب من على سطح الجامعة وهو ليس فتح وقد كتب الله له الحياة وحاليا يحاضر في نفس الجامعة الشخص موجود والشاهد موجود وهو الدكتور ناصر الشاعر الذي احترمه كثيرا على مواقفه وبعد مرور 25 سنة يتكرر نفس المشهد بالقاء الناس من اعلى سطوح الابراج في غزة ، اذن هو فكر يكفر الجميع الا من رحم ربي ، فتح علمانية كافرة واليسار شيوعيون كفار والجهاد شيعة كفرة وحزب التحرير كذا والقاعدة كذا ورجال الدعوة كذا ، انظر الى هذه القصة التي حدثني بها احد الاخوة في الجهاد نجاه الله من الاعداء واقسم بان ذلك حصل معي قال لي ان احد ابناء الجهاد تقدم لخطبة فتاة من حماس تدرس في الجامعة الاسلامية فما كان من احد قادة حماس رحمه الله الا ان طلب من اهلها عدم الموافقة لانه شيعي حدث اخر سيدي حدث امام عيني في صلاة الجمعة حيث صعد الامام للخطبة وانتقد اتفاق مكة ومن خلال خطبته تبين انه من حزب التحرير وبعد انتهاء الصلاة قال له الحمساوين لا تأتي الى هنا مرة اخرى ، القصص كثيرة والاحداث كثيرة هذا هو حالنا مع من دعوت للوقوف الى جانبهم سامحك الله كنا ننتظر منك ان تكون وسطيا في موقفك لكنك ساندت كل هذه الاعمال الاجرامية ووفرت غطاءا شرعيا لها ، نحن على استعداد واقول نحن باسم الشعب وليس ناطقا باسم فصيل على استعداد ان نقف الى الجانب حماس ضد المحتل اما ان نقف معها ضد الشعب فهذا هو الحرام بعينه سيدي : قال بعضهم اننا اضطررنا الى ذلك لكبح جماح تيار اراد الذهاب بالبلد الى الهاوية ، هل تصدق ان من يعارض هذا التيار من فتح اشد منهم بكثير لكنها كلمة حق اريد بها باطل.
نعم الجميع ضد الفساد والمفسدين الجميع ضد كل اشكال الاساءة هنا او هناك ولكن هناك فرق بين ان تصحح وبين ان تمارس نفس الاسلوب واشد من ذلك بكثير ، نعم يا شيخنا الجليل لقد استطاعوا التغير ولكنهم لم يصلحوا شيئا بل بالعكس كانوا اشد فسادا وامعنوا في ذلك على كل المستويات المالية والادارية والسياسية الى اخر ذلك ولا اقول ذلك جزافا فالحقائق واضحة والمعلومات في متناول الجميع وهذه البلاد لا يعمر فيه ظالم ، حتى المساعدات التي تأتي من طرفكم توزع على فئة من الناس هم من خاصتهم اما اموال الزكاة فحدث ولا حرج وان اردت زودتك بوثائق تثبت ذلك شيخنا الجليل انا احترمك واجلك واقدرك واطلب منك ان تكون وسطيا في حكمك وان ترى الامور على حقيقتها ولا يغرر بك من أي جهة كانت لانك تمثل رمزا لنا جميعا فكن لنا جميعا وليس لفئة معينة. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .

خاتمة الكاتب:
شيخنا الفاضل يوسف القرضاوي.. لن ازيد عما جاء بتلك الرسالة رغم بساطتها ولكني أعتقد أن الحركة الاسلامية العالمية بحاجة ماسة للتوقف والتدقيق في تعاطيها مع الاخر سواء أكان الامر مرتبطا بالمجتمعات العربية والاسلامية أو كان ذات علاقة بالمجتمعات الغربية، فانت العارف الذي لا يُعرّف، تعلم تماما أن الاسلام الذي يؤمن بالاختلاف مع الآخر ويحترم حرية الاختيار ويتقبل التنوع الديني والاثني ، وضع إطارا عاما لحدود الاختلاف وقواعد راسخة للحوار وأدابا ملزمة للتعايش، ولعل من ابرز عوامل هذه القواعد والاداب ما ورد بالقرأن الكريم في سورة " سبأ " ، فهذا هو رسولنا الكريم صلوات الله عليه وسلم حينما كان يحاور مجموعة من غير المؤمنين يصرون على أن الحق إلى جانبهم ، حسم الجدال معهم محتكما إلى قوله تعالى " وإِنّآ أو إِياكُم لَعَلَى هُدى أو في ضلالٍ مُبِينٍ " ( 24 سبأ ) فوضع الرسول الكريم نفسه على نفس كفة الميزان مع من يحاور تاركا الحكم النهائي والاعدل في آن لله سبحانه وتعالى وفي ذلك آسمى آيات إحترام الآخر بصرف النظر عن اتفاقنا أو اختلافنا معه، بل وذهب الحبيب المصطفى صلوات الله عليه إلى أبعد من ذلك عندما لجأ إلى قوله تعالى " قُل لا تُسألُونَ عَمَآ أَجرَمنَا ولا نُسأَلُ عَمَّا تَعملُونَ " ( 25 سبأ ) واصفا اختياره للحق وهو حق بانه قد يكون جرما بوجهة نظر الطرف الاخر، مؤكدا على أن اختيار الاخرين للباطل وهو باطل مجرد عمل قد يسألون عنه ، فما أقصر العمر وما أطول اللحظة شيخنا الكريم عندما يستبح المسلم دم أخيه المسلم لما يسببه ذلك من أذى جراح لا تندمل ، فكن يا شيخنا الجليل كما يتمناك المسلمون وليس فئة من فئات المسلمين ، كن كما يحبك الله العلي القدير أن تكون ، والله من وراء القصد.


صباح الخيرـ أحمد زكارنه
رسالة عتاب من مواطن فلسطيني إلى الشيخ يوسف القرضاوي
مقدمة الكاتب :
بعد ما حدث في محافظات غزة من إراقة للدم الفلسطيني وإزهاق للأرواح البريئة ، وذهاب البعض منا بعيدا في تبرير أو إدانة ما حدث ولا يزال يحدث من جرائم في حق الإنسان والقضية والأرض ، بات المشهد ملتبسا إلى حد الإشتباه ما بين الحق والباطل، فالمنقلبون يصرون على أن الحق إلى جانبهم وهم على باطل، والمُنقلَب عليهم يصرون أيضا على أن طعنة الأخ أشد ألما وقسوة من طعنة العدو ، متمسكون بأنهم الواقفون على الخط الفاصل ما بين مرجعيتهم الدينية وتوجهاتهم السياسية، وهم لم يستطيعوا يوما منذ إنشاء السلطة أن يحسموا أمرهم هنا أو هناك ، فباتت صورتهم أشبه ما تكون باللوحة السيريالية متداخلة الالوان والخطوط لا مرجعية لها ولا سياسة.
ولما كان الوضع كذلك كان لتدخل الاطراف الوطنية والدينية الاخرى أهمية ملحة لفك الالتباس.. فكان من أبرز تلك التدخلات ما صدر من الشيخ الجليل يوسف القرضاوي الذي صدم الجميع بانحيازه لصالح طرف ضد أخر ، ما دفع الساحة الفلسطينية والعربية إلى التعقيد أكثر مما هي عليه، خاصة وأن شيخنا الجليل قد غُرِر به فانحاز إلى ما حرم الله وهو من خطَّ بفكره النير رسالة الاسلام الوسطية في سلسلة مؤلفات منها " الصحوة الإسلامية بين الجحود والتطرف" وغيرها من المراجع المعتمده عربيا واسلاميا.
فكان لازما على كل صاحب رأي فض غشاء البكارة عن هلامية المواقف المصبوغة بالصبغة الدينية ليس لمطارحتها وإنما لمناقشتها ، ولكن البعض ونحن منهم فضل التريث إلى أن تهدأ العاصفة ولو إلى حد ما ، إلى أن عثرت ذات ليل وانا أسبح في فضاءات الشبكة العنكوباتية على رسالة عتاب موجهة من شخص عرّف عن نفسه باسم " مواطن فلسطيني" إلى الشيخ الجليل يوسف القرضاوي ، يبدو أن صاحبها لم يعلم أين يرسلها فوضعها إما عمدا أو خطأ في تعليق على أحد الاخبار السياسية .
الرسالة ومنذ اللحظة الأولى أخذت تجذبني من سطر إلى سطر حتى أخر حروفها التى عايشت تفاصيل المشهد فاصابت كبد الحقيقة، فارتأينا أنه من واجبنا نقلها كما هي دون أي تدخل في النص، لعلها على بساطتها تكون أبلغ من أي كلمات منمقة حتى وإن كانت شعرا ، فكما يقول الشاعر:
يا أعدل الناس إلا في معاملتي ... فيم الخصام وأنت الخصم والحكم
واليكم سماحة اليشخ رسالة ذلك المواطن الباحث عن وطن يلتقى فيه والأمن والامان بما سمح به قرأننا الكريم ، ونحن على يقين برحابة صدركم.

نص الرسالة:
رسالة عتاب الى الشيخ يوسف القرضاوي
كنت من المتابعين لمؤتمركم ايها الشيخ الجليل وانا من المؤيدين جدا لفكرك الوسطي الذي يعكس صورة الاسلام السليمة ، فلست مع الغلو والتطرف ولست مع السفور والانحلال وهذه والله هي الصورة الحقيقية للاسلام وما احوجنا الى امثالك هذه الايام ولكن لي عتب عليك يا شيخنا الجليل وقبل ان ابدا عتابي لك اقول انني عربي مسلم فلسطيني افتخر بانني مرابط في ارض الاسراء والمعراج الارض التي بارك الله فيها ومن حولها الارض التي فرشت بجماجم الشهداء وجبلت بدماء طاهرة زكية من ايام الصحابة حتى اليوم، ففلسطين هي اكبر من فتح ومن حماس هي الاغلى وهي الاعز على قلبي . لقد قرات ايها الشيخ الجليل الدكتور يوسف القرضاوي دعوتك الى الوقوف الى جانب حماس، وان صح ما نقل على لسانك فان الامر يحتمل امرين: اما انك يا شيخنا اخطأت في التقدير او انه غرر بك من قبل بعضهم وانا اميل الى الامر الثاني لانني اعرف مواقفك المتوازنة لقد فهمت من قولك هذا، وفهم كل ابناء شعبنا انك تقف مع جهة ضد جهة واتمنى ان يكون فهمنا مغلوطا ، فهمنا انك تؤيد الاعمال الاجرامية التي تمارس في غزة والتي فاقت في بشاعتها ما قام به الاحتلال ولا اريد ان اذكرك ياشيخنا فانت اكثر العارفين بان كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه ولا اريد ان اذكرك بان تهدم الكعبة حجرا حجرا اهون عند الله من اراقة دم مسلم ولا اريد ان اذكرك يا شيخنا عقوبة من يكفر مسلم وهنا لا بد من ان اذكرك ايضا بذلك الحوار الذي دار بين احد الصحابة ورسول الله وان كنت مصيبا هو اسامة بن زيد حب رسول الله وان كنت مخطئا فصححني يا سيدي ، عندما روى اسامة للرسول انه قتل احد المشركين في احدى المعارك بعد ان نطق بالشهادتين فغضب الرسول منه غضبا شديدا وقال له هل شققت عن قلبه ، اتقتله وقد نطق بالشهادتين ويقول اسامة واصفا هذا الموقف لقد كان اصعب موقف منذ ولدتني امي .
شيخنا الجليل: ان الانسان مكرم عند الله عز وجل وهو المستخلف على هذه الارض فلا يجوز الاعتداء على انسانيته وحريته مهما كان السبب... انظر شيخنا الجليل الى قدوتنا محمد بن عبدالله عليه افضل الصلاة والتسليم عندما فرح فرحا كبيرا برجوع جعفر بن ابي طالب ومعه المسلمين من الحبشة لقد كان فرح الرسول اكبر من فرحته بفتح خيبر الذي صادف مع رجوع جعفر ، فكان الانسان اهم من فتح خيبر.
شيخنا الجليل : هل سمعت او شاهدت او قرات او قال لك احدهم ما يحصل في بلادنا ، هل قالوا لك اولئك الافاقين المدافعين عن الجرائم ، هل قالوا لك انهم مثلوا بالجثث وسحلوها في الشوارع هل قالوا لك انهم القوا الناس من اسطح الابراج ، هل شاهدت يوما رجل يعتبر نفسه قدوة المسلمين يعذب اخاه بالسياط والشبح ، هل رايت اناس يعذبون بعضهم بدق المسامير بالارجل ، هل قالوا لك انهم يقتحمون البيوت ويضربون النساء ويروعون الاطفال ويفتشون عن السلاح الذي يقاوم الاحتلال تحت حجج واهية ، هل قال لك احدهم عن التصاريح الخاصة التي يصدرها بعض رموزهم للناس لكي يستطيعوا التجول تماما كما كان يفعل الاحتلال ، هل شاهدت على شاشات التلفاز صور الابرياء عراة وهم يتلذذون على المنظر كما فعل الاحتلال في اريحا ، هل سمعت ان حفلات الزواج تداهم وتهاجم وتتحول الافرح الى اتراح ويعتقل العريس الذي يمضي ليلته في الزنازين بدلا من المبيت عند زوجته والتهمة الغناء لفصيل اخر او اطلاق الرصاص الذي هو من سيمة اعراسنا واعراسهم ، هل رايت سوى الاحتلال ينزل الاعلام عن سطوح المنازل .
شيخنا القرضاوي : لم تتوقف الاساءات للاحياء بل امتدت لتنال الاموات ، هل سمعت انهم اقتحموا بيت امير الشهداء المسجى جثمانه هناك في الشام ودنسوا حرمته وسرقوا مسدسه الذي اطلقت منه الرصاصات على مغتاليه ، هل رايتهم وهم يدسون على صورة قائد ثورتنا ياسر عرفات الذي استشهد وهو يقول على القدس رايحين شهداء بالملايين، هل شاهدتهم وهم يدمرون الصروح التذكارية ، صرح الجندي المجهول والنصب التذكارية في خانيونس وغزة للاستشادين وانت من ذهب الى اخر الدنيا للتوسط لدى القاعدة بعدم هدم تمثال بوذا ، هل بوذا باطهر واقدس من شهدائنا ؟؟.
شيخنا الجليل : هل سمعت احدهم وهو يصدح على شاشة الفضائية الخاصة به ويقول انها حرب بين الاسلام والردة ؟ ، هل تابعت هذه المحطة الكاذبة المحرضة على القتل واباحة كل ما حرم الله من خلال فتاوى على الهواء،هل رايت صور الجرحى الذين قطعت ارجلهم من هؤلاء يا شيخنا ، من للمئات التي قتلت بدم بارد ، هل شاهدت صور المعذبين في زنازينهم " التي عذب البعض منهم فيها كما يدعون" وهذا مستنكر ايضا لكنهم مالبثوا ان مارسوا نفس السلوك واشد ،اظن ان مواقع الانترنت تتسابق في نشر هذه الصور واذا لم تشاهدها انا على استعداد ان ارسلها اليك ، كل اصناف القهر والاذلال والتعذيب تمارس هناك في غزة ولم يبقي شيخنا الا حفر الخنادق واشعال النار فيها والقاء كل من هو ليس معه كما فعل اصحاب الاخدود . سيدي انها مناظر تقشعر لها الابدان ويندى لها الجبين انه عار واي عار لحق بنا امام العالم ، لقد دخلت السجن عند الاحتلال عدة مرات ولم اشاهد هذه الصنوف من التعذيب سيدي القرضاوي : قال زعيمهم الذي يتخذ من دمشق مقرا له ان هناك اخطاء في بعض الجزيئيات حدثت ، هل قتل المسلم جزيئية هل احراق ونهب المؤسسات جزيئية هل بيع الاثاث والمكاتب والاجهزة الكهربائية التي هي ملك للشعب جزيئية هل قتل الاطفال "اطفال بعلوشة" جزيئية هل وهل كل ما ذكر سابقا جزئية سيدي : انا اقسم انه لو كانت هذه الاخطاء عفوية وفردية لسكتنا وقلنا ان ما حصل لا بد ان يحصل في أي اقتتال، فلا بد من ضحايا هنا وهناك ولكن الامر غير ذلك انه فكر ومنهج يدرس في الحلقات ولا اقصد حلقات الذكر بل حلقات زرع الحقد والكراهية في نفوس الشباب حتى ربوا جيل حاقد على كل شئ يستسهل القتل لان هناك فتوى شرعية بذلك وللاسف تستغل المساجد لذلك ، يروى سيدي عن الامام الشافعي انه جاءه نفر من المسلمين يشكون له اختلاف المسلمين على عدد ركعات صلاة التراويح فقال اغلقوا المسجد لان وحدة المسلمين اهم من صلاة التراويح فالجامع له رسالة سامية في توحيد المسلمين وليس نشر السموم من خلالها فبدلا من تسخير انفسنا في خدمة الدين وظفنا الدين لخدمة اهدافنا الضيقة ولا بد انك تسمع بالائمة الذين يوزعون صكوك الغفران يمينا وشمالا ويشجعون على القتل فاصبحت سلوكاتهم فكرا ونهج حياة واليك الدليل يا سيدي ، عام 1981 حصلت مشكلة في جامعة النجاح في نابلس بين فتح والكتلة الاسلامية فاقدمت الكتلة على القاء احد الطلاب من على سطح الجامعة وهو ليس فتح وقد كتب الله له الحياة وحاليا يحاضر في نفس الجامعة الشخص موجود والشاهد موجود وهو الدكتور ناصر الشاعر الذي احترمه كثيرا على مواقفه وبعد مرور 25 سنة يتكرر نفس المشهد بالقاء الناس من اعلى سطوح الابراج في غزة ، اذن هو فكر يكفر الجميع الا من رحم ربي ، فتح علمانية كافرة واليسار شيوعيون كفار والجهاد شيعة كفرة وحزب التحرير كذا والقاعدة كذا ورجال الدعوة كذا ، انظر الى هذه القصة التي حدثني بها احد الاخوة في الجهاد نجاه الله من الاعداء واقسم بان ذلك حصل معي قال لي ان احد ابناء الجهاد تقدم لخطبة فتاة من حماس تدرس في الجامعة الاسلامية فما كان من احد قادة حماس رحمه الله الا ان طلب من اهلها عدم الموافقة لانه شيعي حدث اخر سيدي حدث امام عيني في صلاة الجمعة حيث صعد الامام للخطبة وانتقد اتفاق مكة ومن خلال خطبته تبين انه من حزب التحرير وبعد انتهاء الصلاة قال له الحمساوين لا تأتي الى هنا مرة اخرى ، القصص كثيرة والاحداث كثيرة هذا هو حالنا مع من دعوت للوقوف الى جانبهم سامحك الله كنا ننتظر منك ان تكون وسطيا في موقفك لكنك ساندت كل هذه الاعمال الاجرامية ووفرت غطاءا شرعيا لها ، نحن على استعداد واقول نحن باسم الشعب وليس ناطقا باسم فصيل على استعداد ان نقف الى الجانب حماس ضد المحتل اما ان نقف معها ضد الشعب فهذا هو الحرام بعينه سيدي : قال بعضهم اننا اضطررنا الى ذلك لكبح جماح تيار اراد الذهاب بالبلد الى الهاوية ، هل تصدق ان من يعارض هذا التيار من فتح اشد منهم بكثير لكنها كلمة حق اريد بها باطل.
نعم الجميع ضد الفساد والمفسدين الجميع ضد كل اشكال الاساءة هنا او هناك ولكن هناك فرق بين ان تصحح وبين ان تمارس نفس الاسلوب واشد من ذلك بكثير ، نعم يا شيخنا الجليل لقد استطاعوا التغير ولكنهم لم يصلحوا شيئا بل بالعكس كانوا اشد فسادا وامعنوا في ذلك على كل المستويات المالية والادارية والسياسية الى اخر ذلك ولا اقول ذلك جزافا فالحقائق واضحة والمعلومات في متناول الجميع وهذه البلاد لا يعمر فيه ظالم ، حتى المساعدات التي تأتي من طرفكم توزع على فئة من الناس هم من خاصتهم اما اموال الزكاة فحدث ولا حرج وان اردت زودتك بوثائق تثبت ذلك شيخنا الجليل انا احترمك واجلك واقدرك واطلب منك ان تكون وسطيا في حكمك وان ترى الامور على حقيقتها ولا يغرر بك من أي جهة كانت لانك تمثل رمزا لنا جميعا فكن لنا جميعا وليس لفئة معينة. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .

خاتمة الكاتب:
شيخنا الفاضل يوسف القرضاوي.. لن ازيد عما جاء بتلك الرسالة رغم بساطتها ولكني أعتقد أن الحركة الاسلامية العالمية بحاجة ماسة للتوقف والتدقيق في تعاطيها مع الاخر سواء أكان الامر مرتبطا بالمجتمعات العربية والاسلامية أو كان ذات علاقة بالمجتمعات الغربية، فانت العارف الذي لا يُعرّف، تعلم تماما أن الاسلام الذي يؤمن بالاختلاف مع الآخر ويحترم حرية الاختيار ويتقبل التنوع الديني والاثني ، وضع إطارا عاما لحدود الاختلاف وقواعد راسخة للحوار وأدابا ملزمة للتعايش، ولعل من ابرز عوامل هذه القواعد والاداب ما ورد بالقرأن الكريم في سورة " سبأ " ، فهذا هو رسولنا الكريم صلوات الله عليه وسلم حينما كان يحاور مجموعة من غير المؤمنين يصرون على أن الحق إلى جانبهم ، حسم الجدال معهم محتكما إلى قوله تعالى " وإِنّآ أو إِياكُم لَعَلَى هُدى أو في ضلالٍ مُبِينٍ " ( 24 سبأ ) فوضع الرسول الكريم نفسه على نفس كفة الميزان مع من يحاور تاركا الحكم النهائي والاعدل في آن لله سبحانه وتعالى وفي ذلك آسمى آيات إحترام الآخر بصرف النظر عن اتفاقنا أو اختلافنا معه، بل وذهب الحبيب المصطفى صلوات الله عليه إلى أبعد من ذلك عندما لجأ إلى قوله تعالى " قُل لا تُسألُونَ عَمَآ أَجرَمنَا ولا نُسأَلُ عَمَّا تَعملُونَ " ( 25 سبأ ) واصفا اختياره للحق وهو حق بانه قد يكون جرما بوجهة نظر الطرف الاخر، مؤكدا على أن اختيار الاخرين للباطل وهو باطل مجرد عمل قد يسألون عنه ، فما أقصر العمر وما أطول اللحظة شيخنا الكريم عندما يستبح المسلم دم أخيه المسلم لما يسببه ذلك من أذى جراح لا تندمل ، فكن يا شيخنا الجليل كما يتمناك المسلمون وليس فئة من فئات المسلمين ، كن كما يحبك الله العلي القدير أن تكون ، والله من وراء القصد.


بقلم : أحمد زكارنه




https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن