انثربولوجيا الكلاشنكوف/ عقدة اللغة وعقدة السلاح!!!

علي حسن الفواز
ali_fwaaz@yahoo.com

2007 / 7 / 25

في رواية (ضجة في الزقاق) للروائي غانم الدباغ ،يقول رجل الامن لرئيسه في العمل،ان هذا المتهم شيوعي!!فقال له رئيسه،وكيف عرفت؟ قال رجل الامن، ان كتبه كلها تضم اسماء لمؤلفين تنهي اسماءهم تلك ب(الاوف)!!!
هذا النحت اللغوي تحوّل الى مرجعية عميقة في انثربولوجيا العقل السياسي العراقي ،اذ فرضت شروطها على سايكولوجيا الرعب في السياق الامني مثلما فرضت ذات الشروط في السياق الايديولوجي وشفراته ،،واصابت الكثير من يوميات السلوك الشعبي لصراعات الاحزاب السياسية في العراق بحمى افتراضية جعلت من الخطاب اللغوي المحدود خطابا اجتماعيا ذي فوبيات قهرية بامتياز ،انتقل فيما بعد الى فضاءات التأويل والى صناعة معقدة للاشاعة وصولا الى صياغة اشكال غرائبية من ظواهر الخوف والتقية اللغوية/ الاجتماعية..
ان مرجعية (الاوف) في الذاكرة السياسية العراقية واستعمالها السسيو سياسي،تمظهرت في السياق الاجتماعي والثقافي عبر اشكال سرية في اطار انتاج خطابات اجتماعية ذي ايهامات القت بظلالها على وقائع المشهد العراقي خلال ستين عاما في مؤسسات ! الحزب والمقهى والشارع والمنظومة الامنية ..
بالامس قرأت خبرا في احدى صحفنا المحلية عن مسؤول في وزارة الدفاع عن توجّه وزارة الدفاع العراقية لتجهيز وحدات الجيش العراقي باسلحة غربية وامريكية ليس فيها اية رائحة ل(الاوف) وكأن هذا المسؤول من دون ان يدري رمى حجرا على تاريخ كل المرجعية المسلحة في حياتنا العراقية التي امتلات بغبار الاوفات !!حتى بات الكلاشنكوف والسيمنوف والديمتروف الرموز المسلحة تلتقي بتقاطع لغوي ورومانسي مع شولوخوف الرمز الادبي وديمتروف الرمز السياسي والايديولوجي..
ان الذاكرة القمعية الامنية العراقية وذاكرة الانقلابات العسكرية كلها ارتبطت بازمة لغوية وتأويلية مع هذه الاوف !!وتحولت هذه الاضافة التي عادة ما تقترن باسماء ومرجعيات عائلية لادباء ومفكرين وسياسيين وحتى رياضيين ينتمون الى الشرق السياسي والايديولوجي، وطبعا هذه المرجعيات مثيرة للمشاكل الخطيرة والمتابعات الامنية وكثيرا ما دفعت المتورطين بتداولها الى السجون والتعرّض الى انواع شتى من التعذيب..مقابل هذا ظلت الذاكرة الامنية القمعية العراقية وربما العربية ايضا تعاني من حساسية ساذجة ازاء هذه الاضافة الملعونة، التي يتباهى بها البعض علنا وتحديا للمزاج الامني .
ان تاريخ هذا التقاطع ما بين الامني بكل تعقيداته وغرائبه مع اللغوي التقليدي في اطار فهمه كخطاب او ممارسة اجتماعية او حتى في اطار التعاطي معه كسياق معرفي او شفرات،لايعبّر في جوهره الاّ عن ازمة غريبة في منظومة التلقي اولا و عن ازمة العقل الامني القمعي الذي يؤسس الكثير من حساباته وازماته وحساسيته في العنف والاقصاء والحبس والموت على بنيات لغوية اعتباطية لاشأن لها بهذه المرجعيات ثانيا ..ولاشك ان هذه الحسابات والحساسيات قد ادّت الى تغييب وموت المئات من الناس من اطياف مختلفة ومن انماط ثقافية واجتماعية وتعليمية متعددة ،لاشأن لهم سوى بامراض السلطة الامنية وعقدتها اللغوية التي يحمل تاريخها الكثير من العجائب والغرائب حدّ انها منعت بيع الطماطة لانها حمراء وهذا اللون يمثل بنية تعبيرية افتراضية عن فكر معين ، وهذا المرض اللغوي واللوني يتكرر الان مع وجود العقل النكوصي وعقده وحساسيته ،،اذ يحاسب الناس ويقتلهم على اسمائهم وهوياته وربما لون سحناتهم ولغتهم وحتى لكناتهم !!
ان ثقافوية الكلاشنكوف وكل مشتقات الاوف ، فرضت خطابها ونمطها على حياتنا زمانات طويلة ودخلت بها الحكومات العربية كل حروبها وهي تخضع طبعا لحسابات الخبراء والمحللين الذي يقرأون ويحللون هذه غلواء هذه الحروب ليس بين جيشين او بين ارادتين متقاطعتين بل بين سلاحين وبين مرجعيتين لغويتين !! ولاشك ان هذه الثقافوية!!!!!!تعكس نمطية العقل الواحد الذي كان يؤمن بالايديولجيا الواحدة والحزب الواحد والطريق الواحد والسلاح الواحد ،،وظلت الجيوش العربية ومنها الجيش العراقي في ضوء هذه الاشتقاقات تلك ،،تدخل في اطار هذه البنية اللغوية تعبيرا عن دخولها الى بيئة سياسية وايدولوجية وحتى عسكرية تركت اثارها على الحياة الاجتماعية والاقتصادية وطبيعة النمط التجاري المعقد الذي كان تقترحه السلطات العربية لصق الصفقات العلنية والسرية والتدريبية التي كان ينظمها المعنيون والذين لاعلاقة لهم بالايديولوجيا ولا باللغة طبعا لانهم يمارسوا صفقاتهم تلك بمزاج وتخطيط تجاري بحت ،حيث تركوا هموم ومذابح الايديولوجيا واللغة الى المثقفين الحالمين الذين لايعرفوا بالمقابل شيئا عن الاسلحة والاسواق والحروب ..
ان هذا التصريح المهني البحت الذي لم يعن صاحبه اثارة الغبار حوله ،يقدم لنا الكثير من الحقائق التي تقول ان اللغة متورطة تورطا عميقا مع السلطة كما يقول (نورمان فيركلو) وان السلطة الامنية تدرك اهمية هذه اللغة ،لذا فانها بالقدر الذي تتركها مباحة للتداول على اساس انها خطاب او ممارسة اجتماعية او ممارسة ثقافية متعددة الاستخدام ،فانها بالمقابل تضعها في اطار الايديولوجيات والشروط الاجتماعية المحددة وربما في اطار القمع الاجتماعي والسياسي والاثني القهري ..
فهل ثمة قراءة اخرى لثقافة النمط خارج شرطه القامع؟ وهل ثمة منظور اخر تتفكك في سياقه الكثير من اشكلات الهيمنة التي فرضتها مرجعية السلطة القديمة والايديولوجيا القديمة في اطار قمعها اللغوي والثقافي والمادي الذي جعل اللغة اكبر من السياق ذاته ؟



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن