توافقات اللاعنف ...التوافقات السوية

اسعد الامارة
elemara_32@hotmail.com

2007 / 6 / 18

هناك درجات مختلفة في التعبير عن المسالمة او الاسلوب المغاير للخشونة او العنف ،تمتد من التعبير المباشر عن السلوك والفعل الى التعبير المتسامي عنها بطرق اكثر
حضارية ربما يتجاوز السلوك الى الدعوة المعلنة للتعقل في كل الامور بما فيها القبول والايمان بحرية الآخر حتى وان كان يخالفه في الدين او في المذهب او في العقيدة ايا كانت ، لا نطلق على هذه الممارسات او الاليات توافقات خاصة باللاعنف لانها قد لا ترقى الى قمة التعامل الانساني اذا ما اخذنا بنظر الاعتبار اننا نقصد الانسان بما هو انسان ،وليس شئ آخر ، آسير لمعتقد جامد او فكر عنصري او تابع لم يعرف الاستقلالية في الرأي او القرار . دعونا نقلب التوافقات الاخرى غير السوية اولا لنعود مرة اخرى لنقارن بالتوافقات السوية في موضوعنا هذا باعتبار ان التوافقات السوية هي توافقات اللاعنف وعداها توافقات مصطنعة آنية غير سوية.
ما هي التوافقات غير السوية؟
يقول علماء النفس ، يستخدم العصابيون(مرضى النفس) والذهانيون(مرضى العقل) واصحاب الانحرافات الشخصية اساليب للتوافق العادية بنفس الطريقة التي يستخدمها الافراد العاديون ، على ان معدل استخدامهم لها اعلى بكثير ، فمرضى النفس – العصابيون – مثلا ربما يستخدمون انسحابا ذاتيا كاملا للهرب من المواقف الصراعية او التي يكثر فيها الصراع النفسي،بينما الشخص العادي ربما يكتفي باستخدام اسلوب المرض الجسمي بصورة مؤقتة وأقل حدة. اما مريض العقل (الذهاني) قد يعاني من الخلط الوهمي فيتصور انه نابليون او فاتح القدس او مخترع الكون او انه المهدي المنتظر او المسيح ، بينما يتصف الشخص العادي بأنه يفكر بصورة يعلي بها من قدر نفسه أكثر مما يجب ، وعلينا ان نذكر دائما حقيقة اساسية مفادها ان هؤلاء العصابيين او الذهانيين كانوا افرادا عاديين في يوم من الايام ، لنلاحظ معا كيف تكون توافقات اللاعنف كسلوك او برنامج حياتي ، انه يعني دائما لدى هذه الشريحة من البشر بزوغ غير طبيعي للعقل ، حيث الاستقامة في القرار والمعرفة التي تكافئ الادراك للموقف ، ادراك الواقع ، وادراك المشكلة مهما كانت عظيمة او كبيرة ، او حتى وان كانت آليمة ، ما دام المؤمن بالمسالمة واللاعنف لا يصدر عنه الا عن مبدأ الواقع والايمان بما كتب له (قل لن يصيبنا الا ما كتب الله لنا) فهو لا يفرح باللذة بقدر ما يتجنب الالم ، ولا يفلت من مواجهة ما يواجهه من مصاعب ، انه يدرك الواقع وتستقيم لديه المعرفة بالحكمة فلا يخص لنفسه الا بما تطيب به ، ولا يكبت ما تزور عنه فلا يتغاضى عن وجهة نظر الاخرين حتى وان كانت جارحة ومؤلمة وخشنة في التعامل معه.
ان توافقات اللاعنف ليست نزهة فكرية كما يعتقد البعض بقدر ما هي معاناة في التحمل فوق القدرة الانسانية حتى وان تحمل الاهانة الحقة التي تجرح نرجسية الانسان وكرامته ، فهو يرفض الاعتراف بالرغبة في مواجهة الاهانة حتى وان اقتحمت هذه الاهانة كرامته وتفكيره
وشخصيته وربما لحقت بمعتقده او بما يؤمن به ، فلن تهزه ابدا تلك النظرات او الاهانات
المباشرة ، ولن يكون رد فعله تجاهها رد فعل اصحاب التوافقات العصابية او الذهانية او حتى الانسان العادي الذي يرغب ان يحوز ويحصل من ممتلكات او اشياء مادية
لدينا من الادلة ان اصحاب التوافقات السوية من المسالمين المؤمنين باللاعنف كمبدأ وعقيدة ، لا كسلوك فحسب انهم يؤمنون ايمانا قاطعا بأن ادراك الواقع ادراكا صحيحا مرهون باكتشاف التواجد مع الآخر ، وقبوله قبولا ليس تشريفيا او مفروضا كما هو الحال في لعبة السياسة او المصالح الضيقة بين الزعماء السياسيين او الاجتماعيين او المدراء او بعض الاحيان بين رجال الدين ومن يقلدونهم او يتبعونهم في مذهبهم ، او ممن يكسبون الاخرين لغرض هدف ما في نفس يعقوب ، انما هم يؤمنون بالآخر يصل لحد اعتناق وجهة نظره ، لا تقوم بتقرير البطلان ثم نفيه ، كما تعمل الجماعات الدينية او المذهبية المسلحة في انحاء مختلفة من العالم في هذه الايام وخصوصا في الاماكن الساخنة بالصراعات الدينية او المذهبية الاسلامية .
وجدير بالذكر ان المسالمين اصحاب معتقد اللاعنف انفسهم لم يبرأوا على مر العصور حتى يومنا هذا من الخلط بين ما يؤمنون وما يؤمن به ابناء قومهم ، ابتداءا من السيد المسيح(ع) الذي ضرب اعلى درجات المسالمة واللاعنف والدعوة الى التسامح لا كسلوك او مبدأ ، وانما تشبع باللاعنف كجانب روحي اكثر منه كتعاليم او تعامل ، فكانت خطوات السيد المسيح (ع) في طريق اللاعنف تصطدم بمعتقدات اصبحت سندا لاصحاب التوافقات اللاسوية من العصابيين او الذهانيين او حتى من البعض من المتذبذبين في السلوك ، اثارت دعواته طوفانا من الغضب لا يمكن تفسيره الا بشعور الناس الذين آمنوا بمسلكه في اللاعنف والمسالمة والتسامح ، وكذلك النبي محمد(ص) وآل بيته واصحابه (رض) حينما كان ومعه هذا الجمع الصغير يديرون اعلى قمة من التوافقات السوية من خلال النصوص القرآنية الواضحة والمبينة او احاديثه او ما جاء به آل بيته وصحبه ، حتى جعلوا الارض تكاد تميد من تحت اقدام من لم يؤمن به وبرسالته في اللاعنف والمسالمة ، اذ اصبحت دعوته نقمة لم يثرها اكتشاف آخر ، او طعنة اصابت مقتلا في تصرفات جماعة و أد البنات او دعاة الحروب والغزوات .
اذن توافقات اللاعنف ، هي التوافقات السوية وعداها توافقات قد تدنو الى المرضية على نحو ما ، فاصحاب المسالمة واللاعنف هم الاكثر حظوظا دون غيرهم قد ظفروا بالكشف عن اعماق النفس ، بالرغم من ان هذه التوافقات تشغل بال علماء النفس او الفلاسفة او العلماء من العلوم الاخرى منذ اقدم العصور في كيفية تحمل الذات هذا القدر من التحمل والمشقة في مواجهة اصحاب التفكير والسلوك الانفعالي او اصحاب الشخصيات السادية او العدوانية، فالشرط الاساسي غير المعلن لاصحاب التوافقات السوية في اللاعنف في قبول الناس في عضوية هذا الانتماء هو ان يقبل الفرد هذا النوع من الفن وأن يلقن اساليب التدريب النفسي الذاتي لكي يستطيع تكوين استقامة الفهم والادراك لسلوك نفسه اولا ثم الاخرين ثانيا.
لعنا نقول في آخر ما نريد قوله اذا كان الحوار وقبول الآخر بين المسالم او الذي يؤمن باللاعنف ينبثق عنه معرفة صادقة للذات تصل بصاحبها الى شفاء نفسه من مرض اسمه اللبس بين ما اعتقد واريد الاخرين ان يؤمنوا بما اؤمن ، والا فأن لغة العصور هي الحكم بين الجميع ، لغة صلب المسيح ولغة قتل وتشريد الاولياء والصالحين والبسطاء من الناس ، لغة كل العصور بلا جديد ولا تغيير في التصرف او التعامل وهو تتقارب مع توافقات العصابيين والذهانيين بعينها وهي عكس توافقات اللاعنف القائمة على التواضع الذي هو ايضا جزء من علاقتنا بالعالم المحيط بنا كما ادركه (كارل يونغ).



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن